أن أخرجَ معكم في جانب الكوفة والسَّبخة أو زُرارة والحيرة، ثم نقاتلهم حتى نلحق بربّنا، فإني والله لقد علمتُ: أنكم لا تقدرون وأنتم دون المئة رجل أن تَهزموا عدوَّكم، ولا أن تشتدّ نكايتكم فيهم؛ ولكن متى عَلم الله: أنكم قد أجهدتم أنفسَكم في جهادِ عدوّه وعدوّكم كان لكم به العذر، وخرجتم من الإثم. قالوا: رأينا رأيك، فقال لهم عتريس بن عُرقوب أبو سليمان الشيبانيّ: ولكن لا أرى رأيَ جماعتكم، فانظروا في رأي لكم، إنِّي لا إخالُكم تجهَلون معرفتي بالحرب، وتجربتي بالأمور. فقالوا له: أجَل، أنت كما ذكرت، فما رأيك؟ قال: ما أرى أن تخرجوا على الناس بالمصر، إنكم قليل في كثير، والله ما تزيدون على أن تجزروهم أنفسكم؛ وتقرّوا أعينهم بقتلكم، وليس هكذا تكون المكايدة إذْ آثرتم أن تَخرجوا على قومكم، فكيدوا عدوَّكم ما يضرّهم؛ قالوا: فما الرأي؟ قال: تسيرون إلى الكُورة التي أشار بنزولها مُعاذ بن جُوَين بن حصين -يعني: حُلوان- أو تسيرون بنا إلى عَين التّمر فنقيم بها، فإذا سمع بنا إخواننا أتَوْنا من كلّ جانبٍ وأوْب؛ فقال له حيّان بن ظَبْيان: إنك والله لو سرتَ بنا أنت وجميع أصحابك نحو أحد هذين الوجهين ما أطمَأنَنْتم به حتى يلحق بكم خيولُ أهل المِصْر، فأنى تشْفُونَ أنفسَكم! فو الله ما عِدَّتكم بالكثيرة التي ينبغي أن تَطمَعوا معها بالنصر في الدّنيا على الظالمين المعتدين، فاخرجوا بجانب من مِصركم هذا فقاتلوا عن أمر الله من خالفَ طاعة الله، ولا تربّصوا ولا تنتظروا فإنكم إنما تبادرون بذلك إلى الجنة، وتُخرِجون أنفسكم بذلك من الفتنة. قالوا: أما إذا كان لا بدّ لنا فإنا لن نخالفَك، فاخرج حيث أحببت.
فمكث حتى إذا كان آخر سنة من سني ابن أمّ الحَكَم في أوّل السنة -وهو أوّل يوم من شهر ربيع الآخر- اجتمع أصحابُ حيّان بن ظَبْيان إليه، فقال لهم: يا قوم! إنّ الله قد جمعكم لخير وعلى خيرٍ، والله الذي لا إله غيره ما سررتُ بشيء قطّ في الدنيا بعد ما أسلمت سُروري لمُخرَجي هذا على الظَّلمة الأثمَة، فوالله ما أحبّ أنّ الدنيا بحذافيرها لي وأن الله حَرَمني في مُخرَجي هذا الشهادة. وإني قد رأيت أن نخرج حتى ننزل جانب دار جرير، فإذا خرج إليكم الأحزابُ ناجزْتمُوهم. فقال عتْريس بن عُرقوب البَكْريّ: أمّا أن نقاتلَهم في جوف المِصْر فإنه يقاتلنا الرّجال، وتَصعَد النساءُ والصّبيان والإماء فيرموننا بالحجارة؛ فقال