الحسين، فكتب إلى عامله بالبَصرة أن يضع المناظر ويأخذ بالطريق.
قال: فأجِمع يزيد بن نُبَيط الخروج -وهو من عبد القيس- إلى الحسين، وكان له بَنون عشرة، فقال: أيُّكم يخرج معي؟ فانتدب معه ابنان له: عبد الله وعبيد الله، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة: إني قد أزمعتُ على الخروج، وأنا خارج، فقالوا له: إنا نخاف عليك أصحابَ ابن زياد؛ فقال: إنّي والله لو قد استوت أخفافهما بالجَدَد لَهَان عليّ طلب من طلبني.
قال: ثم خرج فتقدَّى في الطريق حتَّى انتْهى إلى حسين عليه السلام، فدخل في رحله بالأبطح، وبلغ الحسينَ مجيئُه، فجعل يطلبه، وجاء الرجل إلى رَحْل الحسين، فقيل له: قد خرج إلى منزلك، فأقبل في أثرِه، ولما لم يجده جلس في رحله ينتظره، وجاء البصري فوجَدَه في رَحْله جالسًا، فقال:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} قال: فسلَّم عليه، وجلس إليه، فخبّره بالذي جاء له، فدعا له بخير، ثم أقبل معه حتى أتى فقاتل معه، فقتِل معه هو وابناه، ثم دعا مسلم بن عقيل فسرّحه مع قيس بن مُسهر الصيداويّ، وعمارة بن عبيد السَّلوليّ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبيّ، فأمره بتقوى الله وكتمانِ أمرِه، واللطفِ، فإن رأى الناسَ مجتمعين مستوسِقين عجّل إليه بذلك.
فأقبل مسلم حتى أتى المدينة فصلّى في مسجدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وودّع من أحبّ من أهله، ثم استأجر دليلين من قيس، فأقبلَا به، فضلا الطريق وجارا، وأصابهم عطش شديد، وقال الدّليلان: هذا الطريقَ حتى تنتهي إلى الماء، وقد كادوا أن يموتوا عطشًا، فكتب مسلم بن عَقِيل مع قيس بن مسهر الصيداويَ إلى حسين، وذلك بالمَضيق من بطن الخُبيت:
أما بعد: فإني أقبلتُ من المدينة معي دليلان لي، فجارا عن الطريق وضلّا، واشتدّ علينا العطش، فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء، فلم ننجُ إلا بُحشاشة أنفسنا، وذلك الماء بمكان يُدعَى المَضيق من بطن الخُبيت؛ وقد تطيّرت من وجهي هذا، فإن رأيتَ أعفيتني منه، وبعثتَ غيري، والسلام.
فكتب إليه حسين:
أمّا بعد: فقد خشيت ألّا يكون حَمَلك على الكتاب إليّ في الاستعفاء من