الوجه الذي وجهتك له إلا الجُبْن، فامض لوجهك الذي وجهتُك له؛ والسلام عليك.
فقال مسلم لمن قرأ الكتاب: هذا ما لستُ أتخوّفه على نفسي؛ فأقبَل كما هو حتى مرّ بماء لطيِّئ، فنزل بهم، ثمّ ارتحل منه، فإذا رجل يرمي الصَيْد، فنظرْ إليه قد رَمَى ظَبْيًا حين أشرف له، فصرعه، فقال مُسلِم: يُقتل عدوُّنا إن شاء الله، ثم أقبل مسلم حتى دخل الكوفة، فنزل دارَ المختار بن أبي عبيد -وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب- وأقبلتْ الشيعة تختلف إليه فلما اجتمعت إليه جماعةٌ منهم قرأ عليهم كتابَ حسين، فأخذوا يبكون.
فقام عابس بن أبي شَبيب الشاكريمّما، فحَمِد الله وأثنَى عليه ثم قال: أما بعد، فإني لا أخبرك عن الناس، ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرُّك منهم، والله لأحدّثنك عما أنا موطِّن نفسي عليه، واللهِ لأجيبنكم إذا دعوتم، ولأقاتلنّ معكم عدؤكم، ولأضربنّ بسيفي دونَكم حتى ألقَى الله، لا أريد بذلك إلا ما عند الله.
فقام حبيب بن مظاهِر الفَقْعسيّ؛ فقال: رحمك الله! قد قضيتَ ما في نفسك، بواجز مِنْ قولك، ثم قال: وأنا والله الذي لا إله إلا هو على مثل ما هذا عليه.
ثم قال الحنفيّ مِثلَ ذلك. فقال الحجاج بن علي: فقلت لمحمد بن بشر: فهل كان منك أنت قولٌ؟ فقال: إن كنتُ لأحبّ أن يعِزّ الله أصحابي بالظَّفَر، وما كنتُ لأحبّ أن أقتل، وكرهتُ أن أكذب.
واختلفت الشيعة إليه حتى عُلِم مكانه، فبلغ ذلك النعمان بن بَشير (١). (٣٥٣: ٥ - ٣٥٥).
قال أبو مِخْنف: حدّثني نُمير بن وَعلة، عن أبي الودّاك، قال: خرج إلينا النعمان بن بَشير فصعِد المنبر، فحمدِ الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فاتقوا الله عبادَ الله، ولا تُسارِعوا إلى الفتنة والفُرْقة، فإنَّ فيهما يَهلِك الرجال وتُسفَك الدماء، وتُغصَب الأموال -وكان حليمًا ناسكًا يحبّ العافية- قال: إنّي لم أقاتل من لم يقاتلني، ولا أثِب على مَن لا يَثب عليّ، ولا أشاتمكم، ولا أتحرَّش بكم، ولا آخذ بالقَرْف ولا الظِّنة ولا التُّهمة، ولكنكم إن أبْديتمْ صفحتكم لي،