تقرأ كتابي هذا حتى تأتيَ أهلَ الكوفة فتطلبَ ابنَ عَقيل كطلب الخرزَة حتى تَثْقَفَه فتُوثقِه، أو تقتلَه، أو تنفيه؛ والسلام.
فأقبل مسلم بن عمرو حتى قدم على عُبيد الله بالبصرة، فأمر عُبيد الله بالجهاز والتَّهيؤ والمسير إلى الكوفة من الغد.
وقد كان حسين كتبَ إلى أهل البصرة كتابًا؛ قال هشام: قال أبو مخنف: حدّثني الصقعب بن زهير عن أبي عثمان النَّهديّ، قال: كتب حسين مع مولى لهم يقال له: سليمان، وكتب بنُسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف؛ فكتب إلى مالك بن مِسمعَ البكريّ، وإلى الأحنف بن قيس، وإلى المنذر بن الجارود، وإلى مسعود بن عمرو، وإلى قيس بن الهيثم، وإلى عمرو بن عبيد الله بن معمَر، فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها: أمّا بعد، فإنّ الله اصطفى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خلقه، وأكرَمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده، وبلَّغ ما أرسِل به - صلى الله عليه وسلم -، وكنا أهلَه وأولياءَه وأوصياءَه وورثتَه وأحقَّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرَضينا وكرهْنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أن أحقّ بذلك الحقّ المستحَقّ علينا ممن تولّاه، وقد أحسنوا وأصلحوا، وتحرَّوُا الحقّ، فرحمهم الله، وغفر لنا ولهم. وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، فإنّ السنّة قد أميتت، وإن البدعة قد أحيِيت، وإن تَسمَعوا قولي وتطيعوا أمري أهدِكُمْ سبيلَ الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله.
فكلُّ من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمَه، غيرُ المنذر بن الجارود، فإنَّه خشيَ بزعمه أن يكون دَسيسًا من قبَل عبيد الله، فجاءه بالرسول من العشيَّة التي يريد صبيحتَها أن يسبق إلى الكوفة، وأقرأه كتابَه. فقدَّم الرسولَ فضرب عنقه. وصعد عبيد الله منبرَ البصرة فحمد الله وأثنَى عليه، ثم قال:
أما بعد: فوالله ما تُقْرَن بي الصّعْبة، ولا يُقعقع لي بالشِّنان، وإنّي لَنِكلٌ لمن عاداني، وسَمٌّ لمن حاربني، أنصف القارةَ مَنْ راماها، يا أهلَ البصرة، إنّ أمير المؤمنين ولّاني الكوفة وأنا غاب إليها الغداة، وقد استخلفتُ عليكمُ عثمان بن زياد بن أبي سُفيان، وإيّاكم والخلاف والإرجاف، فوالذي لا إله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلافٌ لأقتلنّه وعريفه ووليّه، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتى