ثلاثة آلاف دِرهم أردتُ بها لقاءَ رجلٍ منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكنت أريد لقاءه فلم أجد أحدًا يدلّني عليه ولا يعرف مكانه، فإنِّي لجالسٌ آنفًا في المسجد إذ سمعتُ نفرًا من المسلمين يقولون: هذا رجلٌ له علْم بأهل هذا البيت؛ وإنّي أتيتك لتقبض هذا المال وتدخلَني على صاحبك فأبايعه، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه، فقال: احمد الله على لقائك إيّاي، فقد سرّني ذلك لتنال ما تحبّ، ولينصر الله بك أهلَ بيت نبيِّه، ولقد ساءَني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أن يَنْمى مَخافة هذا الطاغية وسَطوته.
فأخذ بيعته قبل أن يبرح، وأخذ عليه المواثيقَ المغلَّظة ليناصحنّ، وليكتُمنّ، فأعطاه مِن ذلك ما رَضِيَ به، ثم قال له: اختلِف إليّ أيّامًا في منزلي، فأنا طالبٌ لك الإذن على صاحبك. فأخذ يختلف مع الناس، فطلب له الإذن، فمرض هانئ بن عروة، فجاء عبيد الله عائدًا له، فقال له عُمارة بن عُبيد السَّلوليّ: إنّما جماعتنا وكيدُنا قتل هذا الطاغية، فقد أمكَنَك الله منه فاقتله؛ قال هانئ: ما أحبّ أن يُقتلَ في داري، فخرج فما مكث إلا جمعةً حتى مرض شريك بن الأعورَ -وكان كريمًا على ابن زياد وعلى غيره من الأمراء، وكان شديد التشيُّع- فأرسل إليه عُبيد الله: إني رائحٌ إليك العشيّة؛ فقال لمسلم: إن هذا الفاجر عائدي العشيّة، فإذا جلس فاخرج إليه فاقتله، ثم اقعد في القصر، ليس أحدٌ يحُول بينك وبينه، فإن برئتُ من وَجَعي هذا أيامي هذه سرْتُ إلى البصرة وكفَيتُك أمرَها.
فلما كان من العشيِّ أقبل عُبيد الله لعيادة شريك، فقام مسلم بن عَقِيل ليَدخل، وقال له شريك: لا يفوتّنك إذا جلس؛ فقام هانئ بنُ عروة إليه فقال: إني لا أحبّ أن يُقتَل في داري -كأنه استَقبح ذلك- فجاء عبيد الله بن زياد فدخل فجلس، فسأل شريكًا عن وجعه، وقال: ما الذي تجدُ؟ ومتى أشكَيت؟ فلمّا طال سؤاله إياه، ورأى أن الآخَر لا يَخرج، خشيَ أن يفوته، فأخذ يقول:
ما تنتظرون بسَلمَى أن تُحيُّوها
اسقنيها وإن كانت فيها نفسي، فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا؛ فقال عبيد الله، ولا يَفطن ما شأنُه: أتروْنه يهجُر؟ فقال له هانئ: نعم أصلحك الله! ما زال هذا دَيدنَه قبيل عَماية الصبح حتى ساعته هذه، ثم إنه قام فانصرف، فخرج مسلم،