والسوق، وما زالوا يثَوِّبون حتى المساء، فضاق بعبيد الله ذَرْعه، وكان كُبْر أمرِه أن يتمسَّك بباب القصر، وليس معه إلا ثلاثون رجلًا من الشُّرَط وعشرون رجلًا من أشراف الناس وأهل بيته ومواليه، وأقبل أشراف الناس يأتون ابنَ زياد من قبَل الباب الذي يلي دارَ الروميِّين، وجعل مَن بالقصر مع ابن زياد يشُرِفون عليهم، فينظرون إليهم فيتَّقون أن يرمُوهم بالحجارة، وأن يشتموهم وهم لا يَفترون على عبيد الله وعلى أبيه، ودعا عبيدُ الله كثيرَ بن شهاب بن الحصين الحارثيّ فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحِج، فيسير بالكوفة؛ ويخذّل الناس عن ابن عَقِيل ويخوّفهم الحرب، ويحذّرهم عقوبةَ السلطان، وأمر محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كنْدة وحَضْرَموْت. فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس وقال مثلَ ذلك للقعقاع بن شَوْر الذهليّ وشَبَث بن رِبْعي التميميّ وحَجّار بن أبجر العجْليّ وشَمر بن ذي الجَوْشن العامريّ، وحبس سائرَ وجوه الناس عنده استيحاشًا إليهم لقلّة عدد مَن معه من الناس، وخرج كَثير بن شهاب يُخذِّل الناس عن ابن عَقيل (١). (٥: ٣٦٩).
قال أبو مخنف: فحدّثني أبو جناب الكلبيّ: أن كثيرًا ألفَى رجلًا من كلب يقال له عبد الأعلى بن يزيد، قد لبس سلاحه يريد ابنَ عقيل في بني فِتْيان، فأخَذَه حتى أدخله على ابن زياد، فأخبره خبرَه، فقال لابن زياد: إنما أردتك؛ قال: وكنتَ وعدتَني ذلك من نفسك؛ فأمر به فحبِس، وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دُورِ بني عمارة، وجاءه عمارة بن صَلْخَب الأزْديّ وهو يريد ابن عَقيل، عليه سلاحه، فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه، فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شُريح الشبَّاميّ، فلما رأى محمد بن الأشعث كثرةَ من أتاهُ، أخذ يتنحى ويتأخر، وأرسل القعقاع بن شور الذّهليّ إلى محمد بن الأشعث: قد جُلْتُ على ابن عقيل من العرارِ، فتأخرْ عن موقفهِ، فأقبل حتى دخل على ابن زياد من قبَل دار الروميين، فلما اجتمعَ عند عبيد الله كثير بن شهاب ومحمد والقعقاع فيمن أطاعهم من قومهم، قال له كثير -وكانوا مناصحين لابن زياد-: أصلَحَ اللهُ الأمير! معكَ في القصرِ ناسٌ كثير من أشراف الناس ومن شُرَطك وأهل بيتك ومَواليكَ، فاخرج بنا إليهم، فأبى عُبيد الله،