للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يكون خيرًا ما أراد الله بنا، قُتلنا أم ظَفرنا؛ قال: وأقبل إليهم الحرّ بن يزيدَ فقال: إن هؤلاء النفرَ الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادّهم، فقال له الحسين: لأمنعنّهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنتَ أعطيتَني ألّا تَعرض لي بشيء حتى يأتيَك كتاب من ابن زياد، فقال: أجلْ، لكن لم يأتوا معك، قال: هم أصحابي، وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممتَ على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتُك؛ قال: فكفَّ عنهم الحرّ؛ قال: ثمّ قال لهم الحسين: أخبِروني خبرَ الناس وراءكم، فقال له مجمِّع بن عبد الله العائذيّ، وهو أحد النَّفَر الأربعة الذين جاؤوه: أما أشراف الناس فقد أعظِمتْ رِشوَتُهم، ومُلئت غَرائرُهم، يُستمال ودّهم، ويستخلص به نصيحتهم، فهم ألْبٌ واحدٌ عليك، وأما سائر الناس بعد، فإنّ أفئدتهم تَهوي إليك، وسيوفَهم غدًا مشهورة عليك؛ قال: أخبروني، فهل لكم برسولي إليكم؟ قالوا: من هو؟ قال: قيس بن مُسْهر الصيْداويّ؛ فقالوا: نعم، أخذه الحصين بن تميم فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابنُ زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك، ولعَنَ ابنَ زياد وأباه، ودعا إلى نُصْرتك، وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فأُلقيَ من طَمارِ القصر. فترقرقتْ عينا حُسين عليه السلام ولم يملك دمعهَ، ثم قال: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} اللهم اجعلْ لنا ولهم الجنة نُزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك، ورغائب مذخور ثوابك! (٥: ٤٠٣ - ٤٠٥) (١).

قال أبو مخنف: حدّثني جميل بن مَرْثد من بني مَعْن، عن الطرمّاح بن عديّ: أنه دنا من الحسين فقال له: والله إني لأنظر فما أرى معك أحدًا، ولو لم يقاتلْك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازِميك لكان كفى بهم؛ وقد رأيتُ قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهرَ الكوفة وفيه من الناس ما لم تَر عيناي في صعيد واحد جَمْعًا أكثر منه، فسألت عنهم، قيل: اجتَمعوا ليُعرَضوا، ثم يسرَّحون إلى الحسين، فأنشِدُك الله إن قدرتَ على ألّا تقدم عليهم شبرًا إلّا فعلت! فإن أردتَ أن تنزل بلدًا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك. ويستبين لك ما أنت صانع، فسرْ حتى أنزلك مَناع جبلنا الذي يُدعَى أجَأ، امتنعْنا والله به من ملوك غسّانَ وحميَر ومن


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>