إلى حسينِ بن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال: والله لقد كنتُ على جهاد أهل الشرك حريصًا، وإني لأرجو ألّا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسرَ ثوابًا عند الله من ثوابه إيَّاي في جهاد المشركين؛ فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سَمع، وأعلَمها بما يريد، فقالت: أصبتَ أصاب الله بك أرشدَ أمورك، افعلْ وأخرجْني معك؛ قال: فخرج بها لَيْلًا حتى أتى حسينًا، فأقام معه، فلما دنا منه عمر بن سعد ورمى بسهم ارتمى الناس، فلما ارتموْا؛ خرج يسار مولَى زياد بن أبي سفْيان؛ وسالم مولى عُبيد الله بن زياد، فقالا: مَنْ يبارز؛ ليخرجْ إلينا بعضُكم، قال: فوثب حبيب بن مُظاهر؛ وبُرَيْرُ بن حُضَيْر، فقال لهما حسين: اجلسا؛ فقام عبد الله بن عمير الكلبيّ فقال: أبا عبد الله، رحمك الله! ائذن لي فلأخرج إليهما؛ فرأى حسين رجُلًا آدم طويلًا شديدَ الساعدين بعيدَ ما بين المنكبين، فقال حسين: إنِّي لأحسبه للأقران قتَالًا، اخرجْ إن شئتَ؛ قال: فخرج إليهما، فقالا له: مَنْ أنت؟ فانتَسَب لهما، فقالا: لا نعرفك، ليخرجْ إلينا زهير بن القَيْن، أو حبيب بن مُظاهر، أو بُرير بن حُضَير، ويسار مُستنتِلٌ أمامَ سالم، فقال له الكلبيّ: يا بن الزانية! وبك رغبةٌ عن مُبارَزة أحد من الناس، وما يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك؟ ثم شدَّ عليه فضربه بسيفه حتى برد، فإنه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شدّ عليه سالم، فصاح به: قد رَهَقك العبد؛ قال: فلم يأبهْ له حتى غشيَه فبدَره الضّربة، فاتَّقاه الكلبيّ بيده اليسرى، فأطار أصابع كفِّه اليسرى، ثم مال عليه الكلبيّ فضربه حتى قتله، وأقبل الكلبيّ مرتجِزًا وهو يقول، وقد قتلهما جميعًا:
إنْ تُنكرُونِي فأَنا ابن كلبِ ... حسْبيَ بَيْتِي في عُلَيمٍ حَسْبي
إن امرُؤٌ ذو مِرّةِ وعصْبِ ... ولستُ بالخَوَّارِ عندَ النَكْبِ
فأخذتْ أمّ وهب امرأته عمودًا، ثم أقبلتْ نحو زوجها تقول له: فداك أبي وأمي! قاتِلْ دون الطيِّبين ذريّة محمد، فأقبل إليها يردّها نحو النساء فأخذتْ تجاذب ثوبَه، ثمّ قالت: إني لن أدعك دون أن أموت معك، فناداها حسين، فقال: جُزيتم من أهلِ بيت خيرًا، ارجعي رحمكِ الله إلى النساء فاجلسي معهنّ،