حتى اشتدَّ عليه العطش، فدنا ليشرب من الماء، فرماه حصين بن تميم بسهم، فوقع في فمه، فجعل يتلقى الدمَ من فمه، ويرَمِي به إلى السماء، ثم حَمِد الله وأثَنى عليه، ثمّ جمع يديه فقال: اللهم أحصِهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تَذَرْ على الأرض منهم أحدًا. (٣: ٤٤٩).
قال هشام عن أبيه محمد بن السائب، عن القاسم بن الأصبغ بن نُباتة، قال: حدّثني من شهد الحسينَ في عسكره: أنّ حسينًا حين غُلِب على عسكره ركب المسنّاة يريد الفرات، قال: فقال رجل من بني أبان بن دارم: وَيْلكم! حُولوا بينه وبين الماء لا تتامّ إليه شيعته؛ قال: وضرب فرسه، واتبعه الناس حتى حالوا بينه وبين الفرات، فقال الحسين: اللهمّ أظْمِهِ، قال: وينتزع الأبِانيّ سهم، فأثبَتَه في حنك الحسين، قال: فانتزع الحسين السهمَ، ثم بسط كفّيه فامتلأتْ دمًا، ثم قال الحسين: اللهمّ إني أشكو إليك ما يُفْعل بابن بنتِ نبيِّك، قال: فوالله إنْ مكث الرجل إلا يسيرًا حتى صبّ الله عليه الظمأ، فجعل لا يَروَى. (٤٤٩: ٥ - ٤٥٠).
قال القاسم بن الأصبغ: لقد رأيتُني فيمن يرَوّح عنه والماء يبرَّد له فيه السَّكرَ وعِساس فيها اللبن، وقِلال فيها الماء، وإنه ليقول: ويْلَكم! اسقُوني قتلني الظمأ، فيُعطَى القُلّة أو العُسَّ كان مرويًا أهل البيت فيشربه، فإذا نزعه من فيه اضطجع الهُنيْهةَ ثم يقول: وَيْلكم! اسقوني قتلني الظمأ، قال: فوالله ما لبث إلا يسيرًا حتى انقدّ بطنُه انقداد بطن البعير. (٥: ٤٥٠).
قال أبو مخنف في حديثه: ثم إنّ شَمِر بن ذي الجوشن أقبلَ في نفرٍ نحو من عشرة من رجّالة أهل الكوفة قبَل منزل الحسين الذي فيه ثقَله وعيالُه، فمشى نحوَه، فحالوا بينه وبين رَحْلِه، فقال الحسين: ويلكم! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخانون يومَ المعاد، فكونوا في أمر دنياكم أحرارًا ذوي أحساب، امنعوا رَحْلي وأهلي من طَعامكم وجُهّالكم، فقال ابن ذي الجوْشن: ذلك لك يا بن فاطمة؛ قال: وأقدَم عليه بالرجّالة، منهم أبو الجَنوب -واسمه عبد الرحمن الجُعفيّ- والقَثْعَم بن عمرو بن يزيد الجعفيّ، وصالح بن وهب اليزَنيّ، وسنان بن أنس النخَعيّ، وخَوَقي بن يزيد الأصبحيّ، فجعل شمر ابن ذي الجوشن يحرّضهم، فمرّ بأبي الجَنوب وهو شاكٍ في السلاح فقال له: أقدِم عليه؛