قال أبو مخنف: حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حُميد بن مسلم، قال: انتهيتُ إلى على بن الحسين بن عليّ الأصغر وهو منبسط على فراش له، وهو مريض، وإذا شَمِر بن ذي الجوشن في رَجّالة معه يقولون: ألا نقتل هذا؟ قال: فقلتُ: سبحان الله! أنقتل الصبيانَ! إنما هذا صبيّ، قال: فما زال ذلك دأبى أدفع عنه كلَّ من جاء حتى جاء عمر بن سعد، فقال: ألا لا يدخلنّ بيتَ هؤلاء النسوة أحد، ولا يَعرِضنّ لهذا الغلام المريض، ومَنْ أخذ من متاعهم شيئًا فليردّه عليهم، قال: فوالله ما ردّ أحد شيئًا؛ قال: فقال عليّ بن الحسين: جُزيت من رجل خيرًا! فوالله لقد دفع الله عني بمقالتك شرًّا، قال: فقال الناس لسنان بن أنس: قتلتَ حسين بن عليّ وابن فاطمة ابنةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قتلتَ أعظمَ العرب خطرًا، جاء إلى هؤلاء يريد أن يزيلهم عن سلكهم، فائْتِ أمراءَك فاطلب ثوابك منهم، لو أعطَوْك بيوتَ أموالِهم في قتل الحسين كان قليلًا، فأقبل على فرسه، وكان شجاعًا شاعرًا، وكانت به لُوثة، فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد، ثمّ نادى بأعلى صوته:
أوقِرْ ركابي فضَّةً وذَهبًا ... أنا قتلتُ المَلِك المحجَّبَا
قتلتُ خير الناس أُمًّا وأَبًا ... وخيرَهم إذْ يُنسبون نسبَا
فقال عمر بن سعد: أشهد إنك لمجنون ما صححتَ قطّ، أدخِلوه عليّ، فلما أدخِل حَذَفه بالقضيب ثم قال: يا مجنون! أتتكّلم بهذا الكلام! أما واللهِ لو سمعك ابن زياد لضرب عنقَك؛ قال: وأخذ عمر بن سعد عُقْبة بن سِمْعان -وكان مولىً للرَّباب بنت امرئ القيس الكلبيَّة، وهي أمّ سُكينة بنت الحسين- فقال له: ما أنت؟ قال: أنا عبدٌ مملوك، فخلّى سبيله، فلم ينجُ منهم أحد غيره، إلا أن المرقّع بن ثمامة الأسديّ كان قد نثر نبلَه وجثا على ركبتيه، فقاتل، فجاءه نفر من قومه، فقالوا له: أنت آمِن، اخرُج إلينا، فخرج إليهم، فلما قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد وأخبره خبرَه سيَّره إلى الزارة، قال: ثمّ إن عمر بن سعد نادى في أصحابه: من ينْتدب للحسين ويوطئه فرسَه؟ فانتدب عشرة، منهم: إسحاق بن حَيْوَةَ الحضرميّ، وهو الذي سلب قميصَ الحسين -فبرِص بعدُ- وأحبَش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرميّ، فأتوْا فداسوا الحسين بخيُولهم حتى رضّوا ظهرهَ وصدرَه، فبلغني: أنّ أحبش بن مرثَد بعد ذلك بزمان أتاه سهمُ