قال: فما نسيتُ من الأشياء لا أنْس قولَ زينب ابنة فاطمة حين مرّت بأخيها الحسين صريعًا وهي تقول: يا محمّداه، يا محمّداه! صلى عليك ملائكةُ السماء، هذا الحسينُ بالعَراء، مرمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه! وبناتك سبايا، وذريتك مقتَّلة، تَسفِي عليها الصَّبا. قال: فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق؛ قال: وقُطف رؤوس الباقين، فسُرّح باثنين وسبعين رأسًا مع شَمِر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعزْرة بن قيس، فأقبلوا حتى قدموا بها على عُبيد الله بن زياد. (٥: ٤٥٥ - ٤٥٦).
قال أبو مخنف: حدّثني سليمان بن أبي راشد عن حُميد بن مسلم، قال: دعاني عمر بن سعد فسرَّحني إلى أهله لأبشّرهم بفتح الله عليه وبعافيته، فأقبلتُ حتى أتيتُ أهله، فأعلمتُهم ذلك، ثمّ أقبلت حتى أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس، وأجد الوفد قد قدموا عليه؛ فأدخلهم، وأذن للناس، فدخلتُ فيمن دخل، فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه، وإذا هو يَنكُت بقضيب بين ثنيّتيه ساعةً، فلما رآه زيد بن أرقم لا يُنجِم عن نَكْته بالقضيب، قِال له: اُعْلُ بهذا القضيب عن هاتين الثنيَّتين، فوالذي لا إله غيرُه! لقد رأيت شَفتيْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هاتين الشفتين يقبّلهما، ثم انفضخ الشيخُ يبكي؛ فقال له ابن زياد: أبكَى الله عينيك! فوالله لولا أنك شيخ قد خَرِفتَ وذهب عقلُك لضربتُ عنقَك! قال: فنهض فخرج، فلما خرج سمعتُ الناس يقولون: واللهِ لقد قال زيد بن أرقم قولًا لو سمعه ابن زياد لقَتَله؛ قال: فقلت: ما قال؟ قالوا: مرّ بنا وهو يقول: مَلَّكَ عَبْدٌ عبدًا، فاتّخذهم تُلدًا؛ أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمَّرتم ابن مُرْجانة، فهو يقتل خيازَكم، ويستعبد شِرارَكم، فرضيتم بالذلّ، فبعدًا لمن رضى بالذّل!
قال: فلما دُخل برأس حسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيد الله بن زياد لبستْ زينب ابنة فاطمة أرذل ثيابها، وتنكّرت وحفّتْ بها إماؤها، فلما دخلتْ جلست، فقال عبيد الله بن زياد: مَن هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه؛ فقال ذلك ثلاثًا، كلّ ذلك لا تكلّمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة؛ قال: فقال لها عبيد الله: الحمد لله الذي فضَحكم وقتّلكم وأكذَبَ أحدُوثتَكم! فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وطهَّرنا تطهيرًا، لا كما تقول أنت، إنما