يا أخَيَّة، لقد أحسنَ هذا الرجل الشأمي إلينا في صحبتنا، فهل لكِ أن نصِلَه؟ فقالت: واللهِ ما معنا شيء نصِلُه به إلّا حُليّنا؛ قالت لها: فنعطيه حُليَّنا؛ قالت: فأخذتُ سِواري، ودُمْلُجي، وأخذتْ أختي سِوارَها، ودُملجَها، فبعثنا بذلك إليه، واعتذرْنا إليه، وقلنا له: هذا جزاؤك بصحبتك إيّانا بالحسَن من الفعل؛ قال: فقال: لو كان الذي صنعتُ إنما هو للدنيا كان في حليكنّ ما يرضيني ودونَه، ولكنْ والله ما فعلتُه إلا لله، ولقرابتكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١). (٥: ٤٦٣ - ٤٦١).
قال هشام: وأما عَوانة بن الحكم الكلبيّ فإنه قال: لما قُتل الحسين وجيء بالأثقال والأسارى حتى وردوا بهم الكوفة إلى عُبيد الله، فبينا القومُ محتبسون إذ وقع حجَر في السجن، معه كتاب مربوط، وفي الكتاب خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيدَ بن معاوية، وهو سائر كذا وكذا يومًا، وراجع في كذا وكذا، فإن سمعتم التكبيرَ فأيقنوا بالقتل، وإن لم تسمعوا تكبيرًا فهو الأمان إن شاء الله؛ قال: فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد أُلقيَ في السجن، ومعه كتاب مربوط ومُوسى، وفي الكتاب: أوصُوا واعهَدُوا فإنما يُنتظر البريد يوم كذا وكذا، فجاء البريد ولم يُسمع التكبير، وجاء كتاب بأن سرّح الأسارى إليّ. قال: فدعا عبيد الله بن زياد محفّز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجَوْشن، فقال: انطلقوا بالثقَل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية؛ قال: فخرجوا حتى قدموا على يزيدَ، فقام مُحفّز بن ثعلبة فنادى بأعلى صوته: جئنا برأس أحمَق الناس وألأمِهم؛ فقال يزيد: ما ولدتْ أمّ مُحفّز ألأمَ وأحمقَ، ولكنه قاطعٌ ظالم؛ قال: فلما نظر يزيد إلى رأس الحسين، قال:
يفلِّقن هامًا من رجالٍ أعزَّةٍ ... علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلَما
ثم قال: أتدرون من أين أُتِي هذا؟ قال: أبي عليٌّ خيرٌ من أبيه، وأمِّي فاطمة خيرٌ من أمه، وجدّي رسول الله خيرٌ من جدّه، وأنا خيرٌ منه وأحقّ بهذا الأمر منه؛ فأما قوله:"أبوه خيرٌ من أبي"، فقد حاجّ أبي أباه، وعلم الناسُ أيُّهما حكم له؛ وأما قولُه:"أمّي خير من أمّه"، فلَعْمري فاطمةُ ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ من