للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما هو نحوَ رايته حتى يضربَ رأس صاحب الراية، وإنّ عليه لمِغفرًا، فقطّ المغفر، وفلق هامته فخرّ ميتًا، فقال: خذها منيّ وأنا ابن عبد المطلب! فظنّ أنه قَتَل مسلمًا، فقال: قتلتُ طاغيةَ القوم وربّ الكعبة! فقال مسلم: أخطَأت استُك الحُفرةَ! وإنما كان ذلك غلامًا له، يقال له: روميّ وكان شجاعًا، فأخذ مسلم رايتَه ونادى: يا أهلَ الشأم، أهذا القتال قتالُ قوم يريدون أن يدفعوا به عن دينهم، وأن يُعزّوا به نصر إمامهم! قبَّح الله قتالَكم منذُ اليوم! ما أوجعه لقلبي، وأغيظه لنفسي! أمَا والله ما جزاؤكم عليه إلا أن تُحرَموا العطاءَ، وأن تجمّروا في أقاصي الثغور، شدّوا مع هذه الراية، ترّح الله وجوهكم إن لم تُعتِبوا! فمشى برايته، وشدّت تلك الرّجال أمام الراية، فصُرع الفضل بن عباس، فقُتل وما بينه أطناب مسلم بن عقبة إلَّا نحو من عشرة أذرع، وقتل معه زيد بن عبد الرحمن بن عوف، وقُتل معه إبراهيم بن نُعيم العدويّ في رجال من أهل المدينة كثير (١). (٤٨٧: ٥ - ٤٨٩).

قال هشام، عن عوانة: وقد بلغنا في حديث آخر: أنِّ مسلم بن عقبة كان مريضًا يومَ القتال، وأنه أمر بسرير وكرسي فوُضع بين الصفين، ثم قال: يا أهل الشام، قاتِلوا عن أميركم أو دَعُوا، ثمّ زحفوا نحوهم فأخذوا لا يصمِدون لرُبعٍ من تلك الأرباع إلا هزموه، ولا يقاتلون إلا قليلًا حتى تولَّوا.

ثم إنه أقبل إلى عبد الله بن حنظلة فقاتله أشدَّ القتال، واجتمع من أراد القتال من تلك الأرباع إلى عبد الله بن حنظلة، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فحمل الفضل ابن العبّاس بن ربيعة في جماعة من وجوه الناس وفُرسانهم يريد مسلمَ بن عقبة، ومسلم على سريره مريض، فقال: احمِلوني فضعوني في الصفّ، فوضعوه بعدما حملوه أمام فسطاطه في الصّف، وحمل الفضل بن العباس هو وأصحابه أولئك حتى انتهى إلى السرير، وكان الفضل أحمَر، فلما رفع السيفَ ليضربَه صاح بأصحابه: إن العبد الأحمر قاتلي، فأين أنتم يا بَني الحرائر! اشْجروه بالرّماح، فوثبوا إليه فطعنوه حتى سقط. (٥: ٤٨٩).

قال هشام: قال أبو مخنف: ثمّ إنّ خيل مسلم ورجالَه أقبلتْ نحو عبد الله بن


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>