للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنظلة الغسيل ورجاله بعده -كما حدّثني عبد الله بن مُنْقذ- حتى دنَوا منه، وركب مسلم بن عُقْبة فرسًا له، فأخذ يسير في أهل الشأم ويحرّضهم ويقول: يا أهل الشام! إنكم لستُم بأفضل العرب في أحسابها ولا أنسابها، ولا أكثرها عددًا، ولا أوسعها بلدًا، ولم يخصُصْكم الله بالذي خصّكم به من النصر على عدوّكم، وحسن المنزلة عند أئمتكم، إلا بطاعتكم واستقامتكم؛ وإنَّ هؤلاء القوم وأشباههم من العرب غيَّروا فغيَّر الله بهم، فتِمّوا على أحسن ما كنتم عليه من الطاعة يتمّم الله لكم أحسن ما ينيلكم من النصر والفُلْج، ثمّ جاء حتى انتهى إلى مكانه الذي كان فيه، وأمر الخيل أن تقدم على ابن الغسيل، وأصحابه، فأخذتِ الخيلُ إذا أقدمتْ على الرّجال فثاروا في وجوهها بالرّماح والسيوف نفرتْ وابذعرّتْ وأحجمتْ، فنادى فيهم مسلم بن عقبة: يا أهلَ الشأم! ما جعلهم الله أولَى بالأرض منكم، يا حُصَيْن بن نُمَير، انِزِل في جندك؛ فنزل في أهل حِمْصَ، فمشى إليهم، فلما رآهم قد أقبلوا يمشون تحت راياتهم نحو ابن الغسيل قام في أصحابه فقال: يا هؤلاء؛ إنّ عدوّكم قد أصابوا وَجْه القتال الذي كان ينبغي أن تقاتلوهم به، وإني قد ظننت ألّا تلبثوا إلا ساعةً حتى يفصل الله بينكم وبينهم إمّا لكم وإمّا عليكم، أمّا إنكم أهل البصيرِة ودار الهجرة، والله ما أظنّ ربَّكم أصبح عن أهل بلد من بلدان المسلمين بأرضي منه عنكم، ولا على أهل بلد من بُلدان العرب بأسخطَ منه على هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم، إنّ لكل امرئ منكم ميتةً هو ميِّت بها، والله ما من ميتة بأفضلَ من ميتة الشهادة، وقد ساقها الله إليكم فاغتنموها، فوالله ما كلّ ما أردتموها وجدْتموها، ثم مشى برايته غيرَ بعيد، ثمّ وقف، وجاء ابن نمير برايته حتى أدناها، وأمر مسلم بن عُقْبة عبد الله بن عضاه الأشعريّ فمشى في خمسمئة مُرامٍ حتى دنَوا من ابن الغسيل وأصحابه، فأخذوا ينضحونهم بالنّبل، فقال ابن الغسيل: علامَ تستهدفون لهم! من أراد التعجّل إلى الجنة فليلزم هذه الراية؛ فقام إليه كلّ مستميت، فقال: الغدُوّ إلى ربّكم، فوالله إني لأرجو أن تكونوا عن ساعة قريرِي عَيْن؛ فنهض القوم بعضُهم إلى بعض فاقتتلوا أشدّ قتال رُئيَ في ذلك الزمان ساعةً من نهار، وأخذ يقدّم بنيه أمامه واحدًا واحدًا حتى قتلوا بين يديه، وابن الغسيل يضرب بسيفه، ويقول:

بُعْدًا لمن رامَ الفَسادَ وطَغَى ... وجانَبَ الحقَّ وآيات الهدى

لا يُبْعِدِ الرحْمَنُ إلَّا مَنْ عَصَى

<<  <  ج: ص:  >  >>