السكّك، وقاموا على باب المسجد، ودلفت التميميّة إليهم، فلما بلغوا الأبواب؛ وقفوا، فسألهم ماه أفريذون: ما لَكم؟ قالوا: أسندوا إلينا أطرافَ رماحِهم؛ قال: ارموهم أيضًا؛ فرمَوْهم بألفيْ نشّابة، فأجلوهم عن الأبواب، فدخلوا المسجدَ، فأقبلوا ومسعود يخطب على المنبر ويحضّض، فجعل غَطَفان بن أنيف بن يزيد بن فهدة. أحد بني كعب بن عمرو بن تميم - وكان يزيد بن فهدة فارسًا في الجاهلية يقاتل ويحضُّ قومَه ويرتجِز:
يال تميمٍ إنَّها مذكوره ... إنْ فات مسعودٌ بها مَشْوَرَهْ
فاستمسِكوا بجانبِ المقْصورَهْ
أي: لا يهرب فيفوت.
قال إسحاق بن يزيد: فأتَوْا مسعودًا وهو على المِنبَر يحضّ، فاستنزلوه فقتلوه، وذلك في أوّل شوّال سنة أربع وستين، فلم يكن القوم شيئًا، فانهزموا. وبادر أشْيمُ بن شَقِيق القوم بباب المقصورة هاربًا، فطعنه أحدُهم فنجا بها، ففي ذلك يقول الفرزدق:
لو أنَّ أشيْمَ لم يَسْبقْ أَسِنَّتَنا ... وأخطأ البابَ إذْ نِيرانُنا تَقِد
إذًا لصاحَبَ مسْعودًا وصاحِبه ... وقد تهافَتَتِ الأعفاجُ والكَبِدُ
(٥: ٥١٩ - ٥٢٠).
قال أبو عبيدة: فحدّثني سلّام بن أبي خَيْرة، وسمعتُه أيضًا من أبي الخَنْساء كُسَيْب العنبريّ يحدّث في حَلْقة يونسَ، قالا: سمعنا الحسنَ بن أبي الحسن يقول في مجلسه في مسجد الأمير: فأقبل مسعود من هاهنا - وأشار بيده إلى منازل الأزْد في أمثال الطير - مُعْلِمًا بقباء ديباج أصفر مغيّر بسواد، يأمر الناسَ بالسنّة، وينهى عن الفتنة: ألا إنَّ من السّنة أن تأخذ فوق يديك، وهم يقولون: القَمر القمَرَ، فوالله ما لبثوا إلَّا ساعةً حتى صار قمرهم قُميْرًا، فأتوه فاستنزلوه عن المِنبر وهو عليه - قد علم الله - فقتلوه.
قال سلّام في حديثه: قال الحسن: وجاء الناس من هاهنا - وأشار بيده إلى دُور بني تميم. (٥: ٥٢٠).
قال أبو عُبيدة: فحدّثني مسْلَمة بن محارب، قال: فأتَوا عُبيدَ الله، فقالوا: قد صعد مسعود المنبر، ولم يُرمَ دون الدار بكُثّاب، فبيناه في ذلك يتهيَّأ ليجئ