قطيفةٌ على حمار، فركبه وإنّ رجليه لتكادان تخُدّان في الأرض. قال اليشكريُّ: فإنَّه لَيسير أمامي إذ سكتَ سكْتَةً، فأطالها، فقلت في نفسي: هذا عُبيد الله أميرُ العراق أمس نائمٌ الساعةَ على حمار، لو قد سقط منه أعْنَتَه، ثمّ قلت: والله لئن كان نائمًا لأنغّصنّ عليه نومَه؛ فدنوتُ منه، فقلت: أنائم أنت؟ قال: لا؛ قلت: فما أسكتك؟ قال: كنتُ أحدّث نفسي؛ قلتُ: أفلا أحدّثك ما كنت تحدّث به نفسَك؟ قال: هاتِ، فوالله ما أراك تكيس، ولا تصيب! قال: قلتُ: كنت تقول: ليتني لم أقتل الحسين، قال: وماذا؟ قلتُ: تقول: ليتني لم أكن قتلتُ من قتلت؛ قال: وماذا؟ قلتُ: كنتَ تقول: ليتني لم أكن بنَيتُ البَيضَاء؛ قال: وماذا؟ قلت: تقول: ليتني لم أكن استعملت الدّهاقِين، قال: وماذا؟ قلتُ: تقول: ليتني كنت أسخى مما كنتُ؛ قال: فقال: والله ما نطقتَ بصواب، ولا سكتَّ عن خطأ، أما الحسين فإنَّه سار إليّ يريد قتلي، فاخترت قتلَه على أن يقتلني؛ وأما البيضاء فإني اشتريْتها من عبد الله بن عثمان الثقفيّ، وأرسل يزيد بألف ألف فأنفقتها عليها، فإن بقيتُ فلأهلي، وإن هلِكتُ لم آسَ عليها مما لم أعنِّف فيه؛ وأما استعمال الدّهاقين فإنّ عبد الرحمن بن أبي بَكرة وزاذان فرُّوخ وقَعا فيَّ عند معاوية حتى ذكرا قشورَ الأرزّ، فبلغَا بخراج العراق مئة ألف ألف، فخيَّرني معاوية بين الضّمان والعزْل؛ فكرهتُ العزل، فكنت إذا استعملت الرجل من العرب فكسر الخراج، فتقدّمت إليه أو أغرمت صدور قومه، أو أغرمت عشيرته أضررت بهم، وإن تركتُه تركتُ مالَ الله وأنا أعرِف مكانَه، فوجدتُ الدّهاقينَ أبصر بالجباية، وأوفَى بالأمانة، وأهوَن في المطالبة منكم، مع أني قد جعلتكم أمناءَ عليهم لئلا يظلِموا أحدًا، وأما قولك في السخاء، فوالله ما كان لي مال فأجودَ به عليكم، ولو شئتُ لأخذتُ بعض مالِكم فخصَصْتُ به بعضَكم دون بعض، فيقولون: ما أسخاه! ولكني عمَمتكم، وكان عندي أنفع لكم، وأما قولك: ليتني لم أكن قتلتُ من قتلتُ؛ فما عملت بعد كلمة الإخلاص عملًا هو أقربُ إلى الله عندي من قتلي من قتلتُ من الخوارج، ولكني سأخبرك بما حدّثت به نفسي؛ قلت: ليتني كنتُ قاتلت أهلَ البَصرة، فإنهم بايعوني طائعين غيرَ مكرهين، وايمُ الله لقد حرَصتُ على ذلك؛ ولكن بني زياد أتَوْني فقالوا: إنك إذا قاتلتهم فظَهَروا عليك لم يبقوا منا أحدًا، وإن تركتهم تغيَّب الرجل منّا عند أخواله وأصهاره، فرفقت لهم فلم أقاتل، وكنتُ أقول: ليتني كنت أخرجتُ أهلَ السجن