فقام عمرو بن مسمع، فحمدَ الله وأثنَى عليه، وذكَرَ أهل البصرة، واجتماعَ رأيهم على تأمير عُبيد الله بن زياد حتى يرى الناسُ رأيهم فيمن يولّون عليهم، وقد جئناكم لنجمع أمرنا وأمرَكم فيكونَ أميرُنا وأميركم واحدًا، فإنما الكوفة من البَصْرة والبَصْرة من الكوفة، وقام ابن القرحا فتكلم نحوًا من كلام صاحبه.
قال: فقام يزيد بن الحارث بن يزيد الشيبانيّ - وهو ابن رُويم - فحَصَبهما أوّل الناس، ثمّ حصبهما الناسُ بعد، ثمَّ قال: أنحن نبايع لابن مَرْجانة! لا ولا كرامة؛ فشرّفت تلك الفعلة يزيدَ في المِصْر ورفعتْه، ورجع الوفد إلى البصرة فأعلم الناس الخبر فقالوا: أهلُ الكوفة يخلعونه، وأنتم تولّونه وتبايعونه! فوثب به الناس، وقال: ما كان في ابن زياد وصمةٌ إلا استجارته بالأزد.
قال: فلمَّا نابذَه الناسُ استجار بمسعود بن عمرو الأزديّ، فأجاره ومنعه، فمكث تسعين يومًا بعد موت يزيدَ، ثمّ خرج إلى الشام، وبعثت الأزد وبكر بن وائل رجالًا منهم معه حتى أوردوه الشام، فاستخلف حيث توجّه إلى الشام مسعود بن عمرو على البصرة، فقالت بنو تميم وقيس: لا نرضَى ولا نجيز ولا نولِّي إلَّا رجلًا ترضاه جماعتُنا، فقال مسعود: فقد استخلفني فلا أدَعُ ذلك أبدًا؛ فخرج في قومه حتى انتهى إلى القصر فدخله، واجتمعتْ تميم إلى الأحنف بن قيس، فقالوا له: إنَّ الأزد قد دخلوا المسجد؛ قال: ودخل المسجد فمَهْ! إنما هو لكم ولهم، وأنتم تدخلونه؛ قالوا: فإنَّه قد دخل القصر، فصَعِد المنبرَ، وكانت خوارجُ قد خرجوا، فنزلوا بنهر الأساورة حين خرج عُبيد الله بن زياد إلى الشام، فزعم الناس أنّ الأحنف بعث إليهم أنّ هذا الرجل الذي قد دخل القصر لنا ولكم عدوّ، فما يَمنَعكم من أن تبدؤوا به! فجاءت عصابةٌ منهم حتى دخلوا المسجد، ومسعود بن عمرو على المنبر يبايع مَن أتاه، فيرميه عِلْج يقال له: مُسلم من أهل فارسَ، دخل البصرة فأسلم ثمّ دخل في الخوارج، فأصاب قلبَه فقتله وخرج، وجال الناسُ بعضُهم في بعض فقالوا: قُتِل مسعود بن عمرو، قتلتْه الخوارج، فخرجَتْ الأزْد إلى تلك الخوارج فقتلوا منهم وجَرّحوا، وطردوهم عن البَصرة، ودفنوا مسعودًا، فجاءهم الناس فقالوا لهم: تعلمون أنّ بني تميم يزعمون أنهم قتلوا مسعود بن عمرو، فبعثَت الأزدُ تسأل عن ذلك؛ فإذا