الفهريّ بدمشقَ يَهوَى هَوَى عبد الله بن الزبير، ويدعو إليه.
قال: فقام حسان بن مالك بالأردنّ، فقال: يا أهلَ الأردنّ! ما شهادتُكم على ابن الزبير وعلى قَتْلَى أهلِ الحرّة؟ قالوا: نشهد أنّ ابن الزبير منافق، وأنّ قتلى أهلِ الحرّة في النار؛ قال: فما شهادتُكم على يزيد بن معاوية وقتلاكم بالحرّة؟ قالوا: نشهد أنّ يزيد على الحقّ، وأنّ قتلانا في الجنة؛ قال: وأنا أشهد لئن كان دينُ يزيدَ بن معاوية وهو حيّ حقًّا يومئذ إنه اليومَ وشيعتُه على حقّ؛ وإن كان ابن الزبير يومئذ وشيعته على باطل إنه اليومَ على باطل وشيعته؛ قالوا له: قد صدقتَ، نحن نبايعك على أن نقاتل مَن خالفك من الناس، وأطاعَ ابنَ الزبير، على أن تجنِّبنا هذين الغلامين، فإنا نكره ذلك - يعنُون: ابنَي يزيد بن معاوية عبد الله، وخالدًا - فإنهما حديثةٌ أسنانهما، ونحن نكره أن يأتيَنا الناس بشيخ ونأتيهم بصبيّ، وقد كان الضحاك بن قيس بدمشقَ يَهَوى هَوَى ابن الزبير، وكان يمنعه من إظهار ذلك أنّ بني أميَّة كانوا بحضرته، وكان يعمل في ذلك سرًّا، فبلغ ذلك حسان بن مالك بن بحدل، فكتب إلى الضحاك كتابًا يعظّم فيه حقّ بني أمية، ويذكر الطاعة والجماعة وحُسْنَ بلاءِ بني أميَّة عندَه وصنيعهم إليه، ويدعوه إلى طاعتهم، ويذكر ابن الزبير ويقع فيه ويشتمه، ويذكر: أنَّه منافق، قد خلع خليفتَين، وأمره أن يقرأ كتابه على الناس، ودعا رجلًا من كَلْب يُدعى ناغضة فسرَّح بالكتاب معه إلى الضحَّاك بن قيس، وكتب حسَّان بن مالك نسخةَ ذلك الكتاب، ودفَعه إلى ناغضة، وقال: إن قرأ الضحَّاك كتابي على الناس وإلّا فقم فاقرأ هذا الكتاب على الناس؛ وكتب حسَّان إلى بني أمية يأمرهم أن يحضروا ذلك، فقَدِم ناغضةُ بالكتاب على الضحَّاك فدفعه إليه ودفع كتابَ بني أميَّة إليهم، فلما كان يومَ الجمعة صعِد الضحَّاك المنبر فقام إليه ناغضة، فقال: أصلح الله الأمير! ادعُ بكتاب حسَّان فاقرأه على الناس، فقال له الضحاك: اجلس، فجلس، ثمّ قام إليه الثانية فقال له: اجلس؛ ثمّ قام إليه الثالثة فقال له: اجلس؛ فلما رآه ناغضة لا يفعل أخرج الكتابَ الذي معه فقرأه على الناس، فقام الوليد بن عُتبة بن أبي سُفْيانَ فصدّق حسانًا وكذّب ابنَ الزبير وشتمه، وقام يزيد بن أبي النِّمس الغسّانيّ، فصدّق مقالة حسان وكتابَه، وشتم ابن الزبير، وقامَ سُفيان بن الأبرد الكلبيّ فصدّق مقالة حسان وكتابه، وشتم ابن الزبير.