وقام عمرو بن يزيد الحكميّ فشتم حسّان وأثنَى على ابن الزبير، واضطرب الناس تبعًا لهم، ثمّ أسر الضحاك بالوليدَ بنَ عُتبة ويزيد بن أبي النّمس وسُفْيان بن الأبرد الذين كانوا صدّقوا مقالةَ حسان وشتَموا ابن الزبير فحُبسوا، وجال الناسُ بعضُهم في بعض، ووثبت كَلْب على عمرو بن يزيد الحَكَميّ، فضربوه وحرّقوه بالنار، وخرّقوا ثيابه.
وقام خالد بن يزيد بن معاوية فصعد مرْقاتين من المنبر، وهو يومئذ غلام. والضحَّاك بن قيس على المنبر، فتكلَّم خالد بن يزيد بكلام أوْجَز فيه لم يُسمع مثلُه، وسكن الناس ونزل الضحاك فصلَّى بالناس الجمعة، ثمّ دخل فجاءت كلب فأخرجوا سفيانَ بن الأبرد، وجاءت غسَّان فأخرجوا يزيد بن أبي النِّمس، فقال الوليد بن عتبة، لو كنتُ من كلب أو غسان أخرِجت.
قال: فجاء ابنا يزيد بن معاوية: خالد، وعبد الله؛ معهما أخوالُهما من كلب فأخرجوه من السِّجن، فكان ذلك اليوم يسمِّيه أهل الشام يومَ جَيْرون الأوّل.
وأقام الناس بدمشقَ، وخرج الضحَّاك إلى مسجد دمشقَ، فجلس فيه فذكر يزيدَ بنَ معاوية، فوقع فيه، فقام إليه شابٌّ من كلب بِعَصًا معه فضربه بها، والناس جلوس في الحلق متقلِّدي السُّيوف، فقام بعضُهم إلى بعض في المسجد، فاقتتلوا؛ قيس تدعو إلى ابن الزبير ونُصرْة الضحَّاك، وكلْب تدعو إلى بني أمية ثمَّ إلى خالد بن يزيد، ويتعصّبون ليزيد، ودخل الضحاك دارَ الإمارة، وأصبح الناس فلم يخرج إلى صلاة الفجر، وكان من الأجناد ناس يهوَوْن هَوَى بني أمية، وناس يهوَوْن هَوَى ابن الزبير، فبعث الضحاك إلى بني أميَّة فدخلوا عليه من الغد، فاعتذر إليهم، وذكر حُسنَ بلائهم عند مواليه وعنده، وأنه ليس يريد شيئًا يكرهونه.
قال: فتكتبون إلى حسّان ونكتب، فيسير من الأردنّ حتى ينزل الجابية، ونسير نحن وأنتم حتى نوافيَه بها، فنبايع لرجل منكم، فرضيَتْ بذلك بنو أميّة، وكتبوا إلى حسّان، وكتب إليه الضحَّاك، وخرج الناس وخرجت بنو أميّة واستقبلت الرايات، وتوجَّهوا يريدون الجابية، فجاء ثور بن معن بن يزيد بن الأخنس السُلَميّ إلى الضحاك، فقال: دعوْتَنا إلى طاعة ابن الزبير فبايعْناك على ذلك، وأنت تسير إلى هذا الأعرابيّ من كَلْب تستخلف ابنَ أخيه خالد بن يزيد!