للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاضطربا بسيْفَيهما، فقال كلّ واحد منهما: أنا الغلام الكلابيّ، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه: مَنْ أنت؟ فلمّا تساءَلا تحاجَزا، وخرج عبدُ الله بنُ رِزام الحارثيّ إلى كَتيبة الحجاج، فقال: اخرُجوا إليّ رجلًا رجلًا، فأخرج إليه رجلٌ، فقتَلَه ثمّ فعل ذلك ثلاثة أيام، يَقتُل كلّ يوم رجلًا، حتى إذا كان اليوم الرابع أقبَل، فقالوا: قد جاء لا جاء الله به! فدعا إلى المبارَزة، فقال الحجاج للجرّاح: اخُرج إليه، فخرج إليه، فقال له عبدُ الله بنُ رِزام - وكان له صديقًا: ويْحَك يا جرّاح! ما أخرجك إليّ! قال: قد ابتُليتُ بك، قال: فهل لك في خير؟ قال: ما هو؟ قال: أنهزِم لك فترجع إلى الحجاج وقد أحسنتَ عندَه وحَمِدَك، وأما أنا فإني أحتمل مقالَة الناس في انهزامي عنك حُبًّا لسلامتك، فإني لا أحبّ أن أقتلَ من قومي مثلك؛ قال: فافعل، فحَملَ عليه فأخذ يَستَطرد له - وكان الحارثيّ قد قطعتْ لهاتُه، وكان يَعطش كثيرًا، وكان معه غلامٌ له معه إدَاوةٌ من ماء، فكلَّما عَطِش سقاهُ الغلام - فاطَّرد له الحارثيّ، وحمَل عليه الجرّاح حملةً بجد لا يريد إلَّا قتله، فصاح به غُلامُه: إنّ الرجل جادّ في قتلك! فعَطَف عليه فضربه بالعمود على رأسه فصَرَعه، فقال لغلامه: انضَحْ على وجهه من ماء الإداوة، واسقِه؛ ففعلَ ذلك به، فقال: يا جرّاح، بئْسَما جزَيْتني، أردتُ بك العافية وأردتَ أن تُزيرني المنيّة! لم أرِدْ ذلك، فقال: انطَلِقْ فقد تركتُك للقرابة والعشيرة (١). (٦/ ٣٦٠ - ٣٦١).

قال محمّد بن عمر الواقديّ: حدّثني ابن أبي سَبْرة، عن صالح بن كَيْسان، قال: قال سعيد الحَرَشيّ: أنا في صفّ القتال يومئذ إذ خرج رجلٌ من أهل العراق، يقال له: قدامة بن الحَريش التميميّ، فوقف بين الصّفين، فقال: يا معشر جَرامِقة أهلِ الشام، إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة رسوله، فإن أبيتم فليخرج إليّ رجلٌ، فخرج إليه رجلٌ من أهل الشام فقتَله، حتى قتل أربعة، فلما رأى ذلك الحجاج أمر مناديًا فنادَى: لا يَخرج إلى هذا الكَلْب أحد، قال: فكفّ الناس، قال سعيد الحَرَشيّ: فدنوتُ من الحجاج فقلت: أصلَح الله الأمير! إنك رأيتَ ألَّا يَخرُج إلى هذا الكلب أحد، وإنما هلك مَن هلك من هؤلاء النفر بآجالهم، ولهذا الرجل أجَلٌ، وأرجو أن يكون قد حضر، فائْذن لأصحابي الذين قَدِموا معي فليخرج إليه رجل منهم، فقال الحجّاج: إن هذا الكلب لم يزل


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>