ثمّ إن ابن محمَّد مضى حتى خرج على زَرَنْج مدينة سِجِستَان وفيها رجل من بني تميم قد كان عبد الرحمن استعمَلَه عليها، يقال له عبد الله بن عامر البعّار من بني مُجَاشع بن دارِم، فلما قَدِم عليه عبد الرّحمن بن محمَّد على أصحابه، وبَشَقَ الماء من جانب، فجعل القتال من وجه واحد، وقدم عليه خالد بن جرير بن عبد الله القَسْريّ من خُراسان في ناس من بَعْث الكوفة، فاقتَتَلوا خمسَ عشرةَ ليلةً من شعبان أشدَّ القتال حتى قُتِل زيادُ بن غُنيم القَينيّ، وكان على مَسالِح الحجّاج، فهدّه ذلك وأصحابَه هدًّا شديدًا (١). (٦/ ٣٦٦).
قال أبو مِخنَف: حدّثني أبو جَهْضَم الأزْديّ، قال: بات الحجّاج ليلَه كلَّه يسير فينا يقول لنا: إنكم أهل الطاعة، وهم أهل المعصية، وأنتم تَسعَوْن في رضوان الله، وهم يَسَعَون في سُخْط الله، وعادة الله عندكم فيهم حَسَنة؛ ما صدقتمُوهم في موطِن قطّ ولا صبرتُم لهم إلَّا أعقَبَكم الله النصرَ عليهم والظفَر بهم؛ فأصبِحوا إليهم عادِين جادِّين، فإني لست أشكّ في النصر إن شاء الله.
قال: فأصبَحْنا، وقد عبّأنا في السَّحَر، فباكرناهم فقاتَلْناهم أشدَّ قتال قاتلناهُمُوه قطّ، وقد جاءنا عبدُ الملك بن المهلب مجفّفًا، وقد كُشفتْ خيل سُفيان بن الأبرد، فقال له الحجاج: ضمّ إليك يا عبد الملك هذا النّشَر لعلي أحمِل عليهم، ففعَل، وحمل الناسُ من كلّ جانب، فانهزم أهلُ العراق أيضًا، وقتِل أبو البَخْتريّ الطائيّ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وقالا قبل أن يُقتَلا: إنَّ الفِرار كلّ ساعة بنا لَقبيح، فأصيبا.