قال: ومشى بِسطام بن مَصقَلة الشيبانيّ في أربعة آلاف من أهل الحِفاظ من أهل المصرَيْن، فكَسَروا جفونَ السيوف، وقال لهم ابن مَصقَلة: لو كنا إذا فررنا بأنفسنا من الموت نجوْنا منه فَرَرنا، ولكنا قد علمنا أنَّه نازل بنا عما قليل، فأين المَحيد عما لابدّ منه! يا قوم إنكم مُحِقون، فقاتِلوا على الحقّ، واللهِ لو لم تكونوا على الحقّ لكان موتٌ في عزّ خيرًا من حياة في ذُلّ.
فقاتَلَ هو وأصحابُه قتالًا شديدًا كَشَفوا فيه أهلَ الشام مرارًا، حتى قال الحجّاج: عليّ بالرماة لا يقاتلهم غيرُهم، فلما جاءتْهم الرّماة وأحاطَ بهم الناس من كلّ جانب قُتلوا إلا قليلًا، وأخذ بكير بن ربيعة بن ثَرْوان الضّبيّ أسيرًا، فأتِيَ به الحجاج فقتله (١). (٦/ ٣٦٦ - ٣٦٧).
قال أبو مِخنَف: فحدّثني أبو الجَهْضَم، قال: جئت بأسير كان الحجاج يعرفه بالبأس، فقال الحجاج: يا أهل الشام، إنه من صُنعْ الله لكم أنّ هذا غلام من الغِلْمان جاء بفارس أهل العراق أسيرًا، اضرب عنقَه، فقتله.
قال: ومضى ابن الأشعث والفَلّ من المنهزِمين معه نحو سِجِسْتانَ فأتْبَعهم الحجّاج عمارة بن تميم اللخميّ، ومعه ابنه محمَّد بن الحجاج وعمارة أميرٌ منهزمًا أَغلَق باب المدينة دونَه، ومنعه دخولَها، فأقام عليها عبد الرّحمن أيامًا رجاءَ افتتاحها ودخولها، فلما رأى أنَّه لا يصل إليها خرج حتى أتى بُسْتَ، وقد كان استعمل عليها رجلًا من بكر بن وائل يقال له عِياض بن هِمْيان أبو هِشام بن عياضِ السدوسيّ، فاستقبَلَه، وقال له: انزِل، فجاء حتى نزل به، وانتظر حتى إذا غَفل أصحاب عبد الرحمن وتفرّقوا عنه وثب عليه فأوثَقَه، وأراد أن يأمَن بها عند الحجاج، ويتخذ بها عندَه مكانًا، وقد كان رُتْبيل سمع بمقدم عبد الرّحمن عليه، فاستقبله في جنوده، فجاء رُتْبيل حتّى أحاط ببُسْت، ثمّ نزل وبعث إلى البكريّ: والله لئن آذيتَه بما يُقذِي عينَه، أو ضررته ببعض المضرّة، أو رزأته حَبْلًا من شَعَر لا أبرح العَرْصة حتى أستنزِلَك فأقتُلَك وجميع من معك، ثمّ أسبي ذراريَّكم، وأقسِّم بين الجند أموالَكم، فأرسل إليه البكريّ، أن أعطنا أمانًا على أنفسِنا وأموالنا، ونحن ندفعه إليك سالمًا، وما كان له من مال مُوَفّرًا،