فصالحهم على ذلك، وآمنهم ففَتحوا لابن الأشعث الباب وخلّوا سبيلهُ، فأتى رُتْبيل فقال له: إنّ هذا كان عاملي على هذه المدينة، وكنت حيث ولّيته واثقًا به، مطمئنًا إليه، فغدَرَ بي وركب مني ما قد رأيتَ، فائْذنْ لي في قَتْله، قال: قد آمنتُه وأكرَه أن أغدِر به، قال: فأذْن لي في دفْعه وَلهزِه، والتصغير به، قال: أمّا هذا فنعم، ففعَل به عبدُ الرحمن بن محمد، ثمّ مضى حتىِ دخل مع رُتْبيل بلاده، فأنزله رُتْبيل عنده وأكرمه وعظّمه، وكان معه ناس من الفلّ كثير.
ثمّ إن عُظْم الفُلول وجماعةَ أصحاب عبد الرحمن ومن كان لا يرجو الأمان؛ من الرّؤوس والقادة الذين نصبوا للحجّاج في كلّ موطن مع ابن الأشعث، ولم يَقبَلوا أمان الحجّاج في أوّل مرّة، وجهَدوا عليه الجهْدَ كلَّه، أقبلوا في أثر ابن الأشعث وفي طلبه حتى سَقَطوا بسِجِستانَ، فكان بها منهم وممن تَبِعهم من أهل سِجِسْتان وأهل البلد نحو من ستّين ألفًا، ونزلوا على عبد الله بنِ عامر البعّار فحصروه، وكَتَبوا إلى عبد الرحمن يخبرونه بقدومِهم وعَددِهم وجماعتِهم، وهو عند رُتْبيل، وكان يصلي بهم عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فكَتَبوا إليه: أن أقبِلْ إلينا لعلنا نسير إلى خُراسان، فإنّ بها منا جُنْدًا عظيمًا، فلعلّهم يبايعوننا على قتال أهلِ الشام، وهي بلادٌ واسعة عريضة، وبها الرّجال والحُصون، فخرج إليهم عبد الرحمن بن محمد بمن معه، فحصروا عبد الله بن عامر البعّار حتى استنزَلوه، فأمر به عبد الرحمن فضُرِب وعُذّب وحُبِس، وأقبل نحوَهم عمارة بن تميم في أهل الشام، فقال أصحابُ عبد الرحمن بن محمد لعبد الرحمن: اخرُج بنا عن سِجِستَان فلندعها له ونأتيَ خُراسان، فقال عبدُ الرحمن بن محمد: على خُراسان يزيد بن المهلب، وهو شابّ شجاع صارم، وليس بتارك لكمْ سلطانَه، ولو دخلتمُوها وجدتموه إليكم سريعًا، ولن يدع أهل الشام اتّباعكم، فأكره أن يجتمعَ عليكم أهلُ خُراسان وأهل الشام، وأخاف ألّا تنالوا ما تَطلبون، فقالوا: إنما أهل خُراسان منّا، ونحن نرجو أن لو قد دخلناها أن يكون من يتبعنا منهم أكثر ممن يقاتلنا، وهي أرضٌ طويلة عريضة ننتحِي فيها حيث شئنا، ونمكث حتى يُهلِك الله الحجّاج أو عبد الملك، أو نرى من رأينا، فقال لهم عبد الرحمن: سيرُوا على اسم الله.
فساروا حتى بلغوا هَراةَ، فلم يشعُروا بشيء حتى خرج من عسكره عُبيد الله بن