عبد الرحمن بن سَمُرة القرشيّ في ألفين، ففارَقَه فأخذ طريقًا سوى طريقِهم، فلمَّا أصبح ابن محمد قام فيهم فحَمِد اللهَ وأثنى عليه، ثمّ قال:
أما بعد، فإني قد شهدتكم في هذه الموَاطن، وليس فيها مَشهَد إلّا أصبر لكم فيه نفسي حتى لا يَبقَى منكم فيه أحد، فلما رأيتُ أنكم لا تقاتلون، ولا تَصبرون، أتيتُ ملجأ ومأمنًا فكنتُ فيه، فجاءتني كتبُكم بأن أقبل إلينا، فإنا قد أجتمعْنا وأمرُنا واحد، لعلنا نقاتل عدوّنا، فأتيتكم فرأيت أن أمضيَ إلى خُراسان وزعمتم أنكم مجتمعون لي، وأنكم لن تفرّقوا عني، ثمّ هذا عبيد الله بن عبد الرّحمن قد صنع ما قد رأيتم، فَحسبي منكم يومي هذا فاصنعوا ما بدا لكم، أما أنا فمنصرف إلى صاحبي الذي أتيتكم من قبَله، فمن أحبّ منكم أن يتّبعني فليتّبعْني، ومن كَرِه ذلك فليذهبْ حيث أحبّ في عياذ من الله.
فتفرّقت منهم طائفة، ونزلتْ معه طائفة، وبقي عُظْم العسكر، فَوثَبُوا إلى عبد الرحمن بن العبّاس لما انصرف عبدُ الرحمن، فبايعوه، ثمّ مضى ابن محمد إلى رُتْبيل ومضوا هم إلى خُراسان حتى انتَهوا إلى هَرَاةَ، فلقوا بها الرّقاد الأزديّ من العَتيك، فقتَلوه، وسار إليهم يزيد بن المهلب.
وأما عليّ بن محمد المدائنيّ فإنه ذكر عن المفضّل بن محمد أنّ ابن الأشعث لما انهزَم من مَسكِن مضى إلى كابُل، وأنّ عبيد الله بن عبد الرّحمن بن سَمُرة أتى هَراةَ فذمَ ابنَ الأشعث وعابَه بفراره، وأتى عبدُ الرّحمن بن عباس سِجِستْان فانضمّ إليه فَلّ ابنِ الأشعث، فسار إلى خُراسانَ في جمع يقال في عشرين ألفًا، فنَزل هراةَ ولقوا الرُّقّاد بن عبيد العَتَكى فقَتلوه، وكان مع عبد الرحمن من عبد القيس عبدُ الرحمن بن المنذر بن الجارود، فأرسل إليه يزيدُ بن المهلّب: قد كان لك في البلاد متَّسعٌ، ومن هو أكلّ مني حَدًّا وأهوَنُ شَوْكة، فارتحِلْ إلى بلد ليس فيه سلطان، فإني أكره قِتالَك، وإن أحببتَ أن أمِدَّك بمال لسفرِك أعنتُك به؛ فأرسَلَ إليه: ما نزلْنا هذه البلاد لمحاربة ولا لمقام، ولكنا أردنا أن نريحَ، ثمّ نَشخَص إن شاء الله، وليست بنا حاجةٌ إلى ما عرضتَ. فانصرَف رسولُ يزيدَ إليه، وأقبل الهاشميّ على الجباية، وبلغ يزيدَ، فقال: من أراد أن يُريحَ ثمّ يجتازَ لم يجْبِ الخَراجَ، فقدّم المفضّل في أربعة آلاف - ويقال في ستة آلاف - ثمّ أتبعه في أربعة آلاف، ووَزَن يزيدُ نفسَه بسلاحِه، فكان أربعَمئة رطل، فقال: