ما أراني إلا قد ثَقُلت عن الحرب، أيّ فرس يحملني! ثمّ دعا بفرسه الكامل فرَكبهِ، واستخلَف على مرَو خالَه جُدَيع بن يزيد، وصيّر طريقَه على مَرْوَ الرُّوذ، فأتى قبرَ أبيه فأقام عندَه ثلاثة أيام، وأعطى من معه مئَة درهم مئَة درهم، ثمّ أتى هَراةَ فأرسل إلى الهاشميّ: قد أرحْتَ وأسمنْتَ وجَبَيْتَ، فلك ما جَبَيْتَ، وإن أردتَ زيادةً زِدناك، فأخرج فوالله ما أحِبّ أن أقاتلَك، قال: فأبى إلّا القتالَ ومعه عُبيد الله بنُ عبد الرحمن بن سَمُرة، ودسَّ الهاشميّ إلى جند يزيدَ يمنِّيهم ويدعوهم إلى نفسِه، فأخبر بعضهم يزيدَ، فقال: جَلَّ الأمرُ عن العتاب، أتغدَّى بهذا قبل أن يتعشَّى بي؛ فسار إليه حتى تَدانَى العسكران، وتأهبّوا للقتال، وألِقيَ ليزيدَ كرسيّ فقعد عليه، وولَّى الحربَ أخاه المفضّل، فأقبل رجلٌ من أصحاب الهاشميّ - يقال له خُلَيد عَيْنَيْنِ من عبد القيس - على ظَهْر فرَسه، فرفع صوتَه فقال:
دَعتْ يا يَزِيدَ بنَ المهلَّب دَعْوَةً ... لها جَزَعٌ ثم استهلَّتْ عيُونُها
يَزيدُ إذا يُدعَى لِيَوْم حَفيظَةٍ ... ولا يَمْنَعُ السَّوْآتِ إلَّا حُصُونها
فإِنّي أَراه عن قليلٍ بنفسِهِ ... يُدانُ كما قد كان قَبْلُ يَدِينُها
فلا حُرَّةٌ تَبكِيهِ لكنْ نوَائحٌ ... تُبكِّي عليه البُقْعُ منها وَجُونُها
فقال يزيدُ للمفضّل: قدِّم خيلَك، فتقدّم بها، وتهايَجوا فلم يكن بينهم كبيرُ قتال حتى تفرّق الناس عن عبد الرحمن، وصبر وصبرتْ معه طائفة من أهل الحفاظ، وصبر معه العبديّون، وحمل سعد بن نجد القُرّدوسيّ على حُلَيس الشيبانيّ وهو أمام عبد الرحمن، فطعنه حُلَيس فأذراه عن فرسِه، وسماه أصحابُه، وكثرهم الناس فانكشفوا، فأمر يزيدُ بالكَفّ عن اتباعهم، وأخذوا ما كان في عسكرهم، وأسَروا منهم أسرَى، فولى يزيدُ عطاءَ بنَ أبي السائب العسكر، وأمَرَه بضّم ما كان فيه، فأصابوا ثلاثَ عشرةَ امرأة، فأتوا بهنّ يزيدَ