وما زاحَفَ الحجّاجُ إلا رأَيْتَهُ ... مُعانًا مُلَقَّى للْفتُوحِ مَعُوَّدَا
وإنَّ ابْنَ عباسٍ لفي مرجَحِنَّةٍ ... نُشبّهُهَا قِطْعًا من الليْل أَسْوَدا
فما شَرَعُوا رُمْحًا ولا جَرَّدُوا له ... ألا رُبَّما لاقى الجَبان فَجَرَّدا
وكرَّتْ علَيْنا خَيْلُ سُفْيَانَ كَرَّةً ... بفرْسانها والسَمْهَريِّ مُقَصدَا
وسُفْيَان يَهْدِيها كأنَّ لواءَهُ ... من الطعن سِندٌ بات بالصِّبغ مُجسدا
كهولٌ ومُرْدٌ من قُضَاعَةَ حَوْلَهُ ... مَسَاعير أبَطال إذا النِّكْسُ عَرَّدا
إذا قال شُدُّوا شَدَّةً حمَلوا مَعًا ... فأَنْهَلَ خِرْصانَ الرِّماح وأوردَا
جُنُودُ أَمير المؤمنينَ وخَيْلُهُ ... وسلطَانُهُ أمسى عزيزًا مؤيَّدَا
فيَهْنى أميرَ المؤمنينَ ظُهُورُه ... على أمّة كانوا بُغاةً وحسّدا
نزوْا يَشتكونَ البغْيَ من أمرائِهِمْ ... وكانوا هُمُ أبغَى البغاةِ وأَعنَدا
وجَدْنا بَنِي مروَانَ خَيْرَ أئمةٍ ... وأفضلَ هذي النّاسِ حِلْمًا وسُودَدَا
وخَيْرَ قُريشٍ في قريش أرُومَةً ... وأكرمَهُم إلا النبيَّ محمّدا
إذا ما تَدَبَّرنَا عَواقِبَ أَمرهِ ... وجَدْنا أَمير المؤمنين مُسَدَّدا
سيُغلَب قوم غالبُوا الله جَهرةً ... وإن كايَدُوهُ كانَ أقوَى وأكْيَدا
كذاك يضِلُّ اللهُ من كان قلبُه ... مريضًا ومَنْ والى النِّفاقَ وألْحدَا
فقد تركوا الأَهلِينَ والمالَ خلفَهُمْ ... وبيضًا عليهنَّ الجلابيب خُرّدَّا
يُنادينهم مُسْتَعْبرات إليهم ... ويُذْرِينَ دَمعًا في الخُدُودِ وإِثمِدَا
فإِلّا تُنَاوِلْهُنَّ مِنكَ برحْمةٍ ... يكنَّ سَبايَا والبُعُولَةُ أعبُدَا
أنكْثًا وعِصْيَانًا وغَدْرًا وذِلّةً ... أهان الإلهُ من أَهانَ وأبْعَدَا
لقد شأم المِصْريْنِ فَرْخُ مُحَمدٍ ... بحقّ وما لاقى من الطَير أسْعدَا
كما شأمَ اللهُ النُّجَيرَ وأهلَهُ ... بجَدٍّ لهُ قد كانَ أَشقى وأنكدَا
فقال أهل الشام: أحْسَن، أصلح الله الأمير! فقال الحجّاج: لا، لم يحسْن، إنكم لا تدرون ما أراد بها، ثمّ قال: يا عدوّ الله، إنا لسنا نحْمَدُك على هذا القول، إنما قلت: تأسُّفَ ألا يكون ظَهَر وظَفِر وتحريضًا لأصحابك علينا، وليس عن هذا سألناك، أنفِذْ لنا قولَك:
بيْنَ الأشَجّ وبيْنَ قيْسٍ باذخٌ
فأنفَذَها، فلما قال: