للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنهم يتعصَّبون للمُضَرّية، فانصرفوا رادِّين لرأي حُضَين، فأرادوا أن يولّوا عبدَ الله بن حَوْذان الجَهْضَميّ، فأبى، وتدافَعوها، فرجعوا إلى حُضَين، فقالوا: قد تدافَعنا الرياسة، فنحن نولّيك أمرَنا، وربيعةُ لا تخالفك، قال: لا ناقَة لي في هذا ولا جَمَل؛ قالوا: ما تَرَى؟ قال: إن جعلتمْ هذه الرياسةَ في تميم تمّ أمرُكُم، قالوا: فمَن ترى من تميم؟ قال: ما أرَى أحدًا غيرَ وكيع، فقال حيّان مولى بني شَيبان: إنّ أحدًا لا يتقلد هذا الأمْرَ فيَصلَى بحَرّه، ويَبذل دمَه، ويتعرّض للقتل، فإنْ قَدِم أميرٌ أخَذَه بما جَنَى وكان المهنأُ لغيره إلا هذا الأعرابيّ وكيع؛ فإنه مِقدام لا يُبالي ما رَكب، ولا يَنظر في عاقبة، وله عشيرة كثيرة تطيعه، وهو مَوْتور يَطلبُ قتيبةَ برياسته التي صرَفَها عنه وصيّرها لضِرار بن حُصَين بن زَيْد الفوارس بن حُصَين بن ضرار الضَّبيّ، فمشَى الناسُ بعضُهم إلى بعض سِرًّا، وقيل لقُتيبة: ليس يُفسد أمر الناس إلا حيّان.

فأراد أن يغتالَه - وكان حيّانُ يلاطِف حَشَم الوُلاة فلا يُخفُون عنه شيئًا - قال: فدعا قتيبةُ رجلًا فأمرَه بقَتْل حيّان، وسمِعه بعضُ الخدم، فأتى حيّان فأخبَره، فأرسل إليه يدعُوه، فحذِر وتمارَض، وأتى الناسُ وكيعًا فسألوه أن يقوم بأمرِهم؛ فقال: نعم، وتمثّل قولَ الأشْهَب بن رُمَيلة:

سأجني ما جَنَيت وإنَّ رُكْنِي ... لمعتمدٌ إلى نَضَدٍ رَكينِ

قال: وبخُراسان يومئذ من المقاتِلة من أهل البَصْرة من أهل العالية تسعة آلاف، وبَكر سبعة آلاف، رئيسُهم الحضَين بن المنذر، وتميم عشرة آلاف عليهم ضِرار بنُ حُصَين الضّبيّ، وعبد القيس أربعة آلاف عليهم عبد الله بن عُلوْان عوذيّ، والأزْد عشرة آلاف رأسُهم عبدُ الله بن حوذان، ومن أهل الكوفة سبعة آلاف عليهم جِهْم بن زحْر - أو عبيد الله بن عليّ - والموالي سبعة آلاف عليهم حيّان - وحيّان يقال إنه من الدّيلم، ويقال: إنه من خراسان، وإنما قيل له نبطيٌّ للكنته - فأرسل حيّان إلى وكيع: أرأيتَ إنْ كففتُ عنكَ وأعنْتُك تجعَل لي جانبَ نهرِ بَلْخ وخَراجَه ما دمتَ حيًّا، وما دمت واليًا؟ قال: نعم؛ فقال للعَجَم: هؤلاء يقاتلون على غير دين، فدَعُوهم يقتِّل بعضُهم بعضًا؛ قالوا: نعم، فبايَعوا وكيعًا سرًّا، فأتى ضِرارُ بن حُصَين قُتيبة، فقال: إنّ الناسَ يختلفون إلى وكيع، وهم يُبايعونه - وكان وكيع يأتي منزلَ عبد الله بن مسلم الفقير فيَشرَب عنْده - فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>