على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط ولا سيّما في إحصاء الأعداد في الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنة الكذب ومطية الهذر ولا بد من ردِّها إلى الأصول وعرضها على القواعد (١).
ثم ذكر ابن خلدون بعضًا من الأسباب التي تقتضي الكذب في الأخبار ومنها:
١ - التشيّعات للآراء والمذاهب.
٢ - الثقة بالناقلين.
٣ - الذهول عن المقاصد.
٤ - توهم الصدق.
٥ - الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع لأجل ما يداخلها من التلبيس والضعة.
٦ - التقرّب لأصحاب التجلة والمراتب.
ثم ذكر ابن خلدون في مقدمته أمثلة كثيرة من أمثلة النقد التأريخي ابتداءً من قصص بني إسرائيل وانتهاءً بالخلافة في عهد العباسيين ومنها قصة العبّاسة مع جعفر بن يحيى بن خالد وبيّن ابن خلدون زيف القصة التي حاكها الوضاعون في هذه المسألة ومسألة نكبة البرامكة. وسنعود مرة أخرى للحديث عن منهج ابن خلدون عندما نتناول مسألة التفسير الإسلامي للتأريخ.
قلت: ومن بين الذين ذكرهم الأستاذ السلمي الحافظ ابن كثير والحافظ الذهبي والحافظ ابن حجر أما الخبر فتناوله للنقد التأريخي واضح من خلال روايات مناقب الصحابة وبعض الأحاديث النادرة في صحيح البخاري حول أحداث الفتنة في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم.
وأما الذهبي فقد استخدم النقد على نطاق لا بأس به في كتابيه العظيمين تأريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء ولكن الحافظ ابن كثير استعمل النقد أكثر منهما بكثير ولعلّ كتابه القيّم [البداية والنهاية] هي المحاولة الأولى لإعادة كتابة التأريخ