وهَلْ تَعيبُونَ مِنَّا كاذِبين بِهِ ... غالٍ ومُهْتَضِمٍ، حَسْبي الذي فينا
يأْبَى الذي كان يُبْلِي اللهُ أَوَّلَكُمْ ... على النِّفاقِ وما قد كان يُبْلينا
قال: ثم عاد الحارث لمحاربة عاصم، فلمّا بلغ عاصمًا أن أسد بن عبد الله قد أقبل، وأنه قد سيَّر على مقدمته محمد بن مالك الهمْدانيّ، وأنه قد نزل الدندانقان، صالح الحارث، وكتب بينه وبينه كتابًا على أن ينزل الحارث أيّ كورخراسان شاء، وعلى أن يكتبا جميعًا إلى هشام؛ يسألانه كتاب الله وسنة نبيه؛ فإن أبى اجتمعا جميعًا عليه. فختم على الكتاب بعض الرؤساء، وأبى يحيى بن حُضَين أن يختم، وقال: هذا خَلْعٌ لأمير المؤمنين، فقال خلَف بن خليفة ليحيى:
أَبَى هَمُّ قلبِكَ إِلَّا اجتماعا ... ويَأْبَى رُقادُكَ إِلا امْتناعَا
بِغيرِ سماعٍ ولم تَلقَنِي ... أُحاوِلُ مِنْ ذَاتِ لهوٍ سماعا
حَفِظ أُمية في مُلْكها ... ونَخْطِرُ مِنْ دونها أَنْ تُراعَى
ندافِعُ عنها وعَنْ مُلْكِهَا ... إِذَا لم نَجدْ بِيدَيْها امتِناعا
أَبى شَعْبُ ما بينَنَا في القديمِ ... وبَينَ أُميَّةَ إِلا انصِداعا
ألمْ نَختَطِفْ هامَةَ ابنِ الزُّبيرِ ... ونَنتَزعِ المُلكَ منه انتِزاعا
جعلنا الخِلَافَةَ في أَهلها ... إذا اصطَرَعَ الناسُ فيها اصطراعا
نَصرْنا أُميةَ بالمَشْرَفِيِّ ... إذا انْخلَعَ الملكُ عنها انخلاعا
ومنَّا الذي شدَّ أهلَ العراق ... ولو غابَ يَحيَى عن الثَّغْرِ ضاعا
على ابنِ سُرَيج نَقضْنَا الأُمورَ ... وقد كان أحكَمَها ما استَطاعا
حَكيمٌ مقالَتُهُ حِكْمَةٌ ... إذا شتّت القوم كانت جَماعا
عَشيَّةَ زَرْقٍ وقد أَزمَعُوا ... قَمَعْنا مِنَ الناكِثِينَ الزَّماعا
ولولَا فتى وائِلٍ لَمْ يكنْ ... لِيُنضِجَ فيها رَئيسٌ كُراعا
فَقل لأُميةَ تَرعَى لنا ... أَيادِي لمْ نُجْزَها واصْطِناعا
أتَلهِينَ عَنْ قتلِ ساداتِنا ... ونأْبَى لحقّكِ إلَّا اتباعا
أَمَنْ لَمْ يُبِعْكِ مِنَ المُشتَرِينَ ... كآخرَ صادَف سُوقًا فَباعا!
أبى ابنُ حُضَيْنٍ لِما تَصْنَعـ ... ـينَ إلَّا اضطلاعا وإِلَّا اتّباعا
ولو يأْمَنُ الحارثُ الوائلينَ ... لراعكِ في بعض مَنْ كان راعا