إليهم حتى انهزم الحارث والأتراك، وحمل الناس جميعًا، فقال أسد: اللهمّ إنهم عصوْني فانصرهم؛ وذهب التُّرك في الأرض عباديد لا يلوون على أحد، فتبعهم النّاس مقدار ثلاثة فراسخ يقتلون مَنْ يقدرون عليه، حتى انتهوْا إلى أغنامهم؛ فاستاقوا أكثر من خمس وخمسين ومئة ألف شاة ودوابّ كثيرة، وأخذ خاقان طريقًا غير الجادّة في الجبل، والحارث بن سُرَيج يحميه، ولحقهم أسد عند الظهر، ويقال: لما واقف أسد خاقان يوم خريستان كان بينهم نهر عميق، فأمر أسد برواقه فرفع، فقال رجل من بني قيس بن ثعلبة: يا أهلَ الشأم؛ أهكذا رأيكم، إذا حضر الناس رفعتم الأبنية فأمر به فُحطّ، وهاجت ريح الحرب التي تسمى الهفافة، فهزمهم الله، واستقبلوا القبلة يَدْعون الله ويكبّرون، وأقبل خاقان في قريب من أربعمئة فارس عليهم الحُمرة، وقال لرجل يقال له سورى: إنما أنت ملك الجُوزجان إن أسلمتَ العرب؛ فمن رأيت من أهل الجوزجان مولّيًا فاقتله، وقال الجوزجان لعثمان بن عبد الله الشِّخيِّر: إني لأعلم ببلادي وطُرقها؛ فهل لك في أمر فيه هلاك خاقان ولك فيه ذكرٌ ما بقيت؟ قال: ما هو؟ قال: تتبعني؛ قال: نعم؛ فأخذ طريقًا يسمّى ورادك، فأشرفوا على طوقات خاقان وهم آمنون، فأمر خاقان بالكُوسات فضربت ضربة الانصراف، وقد شبّطت الحرب، فلم يقدر الترك على الانصراف، ثم ضربت الثانية فلم يقدروا، ثم ضربت الثالثة فلم يقدروا لاشتغالهم، فحمل ابنُ الشِّخيّر والجوزجان على الطوقات، وولّى خاقان مدبرًا منهزمًا، فحوى المسلمون عسكرهم وتركوا قدورهم تغلي ونساء من نساء العرب والمواليات ومن نساء الترك، ووحل بخاقان بِرْذونه فحماه الحارث بن سريج، قال: ولم يعلم الناس أنه خاقان، ووجد عسكر الترك مشحونًا من كلّ شيء من آنية الفضة وصنّاجات الترك، وأراد الخصيّ أن يحمل امرأة خاقان، فأعجلوه عن ذلك، فطعنها بخنجر فوجدوها تتحرّك، فأخذوا خفّها وهو من لُبود (١) مضرَّب.
قال: فبعث أسد بجواري التّرك إلى دهاقين خُراسان، واستنقذ مَن كان في أيديهم من المسلمين.
(١) في اللسان: كل شعر أو صوف متلبد بعضه على بعض فهو لبد ولبدة، والجمع ألباد ولبود على توهم طرح الهاء". [اللسان (٣/ ٣٨٦)].