للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وأقام أسد خمسة أيام. قال: فكانت الخيول التي فرّق تقبِل فيصيبهم أسد، فاغتنم الظفر وانصرف إلى بلْخ يوم التالممع من خروجه، فقال ابن السِّجْف المجاشعيّ:

لو سرْتَ في الأَرْضِ تَقِيس الأَرْضَا ... تَقِيسُ منها طُولَها والعَرْضا

لَمْ تَلْقَ خَيْرًا مِرَّةً ونقْضا ... مِنَ الأَميرِ أَسدٍ وأَمْضَى

أفْضَى إِلَيْنا، الخَيْرُ حِين أَفضى ... وجَمَعَ الشَّملَ وكانَ رَفْضا

ما فاتَهُ خاقانُ إلا رَكْضا ... قد فُضَّ مِن جُمُوعِهِ ما فُضَّا

يابْنَ سُرَيج قَدْ لَقيتَ حَمْضَا ... حَمْضًا بِهِ يُشْفى صُداعُ المرضى

قال: وارتحل أسد، فنزل جَزّة الجوزجان من غد، وخاقان بها، فارتحل هاربًا منه. وندب أسد الناس، فانتدب ناسٌ كثيرٌ من أهل الشام وأهل العراق، فاستعمل عليهم جعفر بن حنظلة البهراني، فساروا ونزلوا مدينة تسمَّى ورد من أرض جَزّة، فباتوا بها فأصابهم ريح ومطر - ويقال: أصابهم الثّلج - فرجعوا. ومضى خاقان فنزل على جبغويه الطخاريّ، وانصرف البهرانيّ إلى أسد، ورجع أسد إلى بلْخ، فلقوا خيل الترك التي كانت بمرْو الرّوذ منصرفة لتغير على بلْخ، فقتلوا مَنْ قدروا عليه منهم، وكان التّرك قد بلغوا بيعة مَرْو الرّوذ، وأصاب أسد يومئذ أربعة آلاف دِرْع؛ فلمّا صار ببلْخ أمر الناس بالصّوم لافتتاح الله عليهم.

قال: وكان أسد يوجّه الكرمانيّ في السرايا، فكانوا لا يزالون يصيبون الرّجل والرجلين والثلاثة وأكثر من الترك؛ ومضى خاقان إلى طخارستان العليا، فاقام عند جبغويه الخَزْلخِيّ تعزّزًا به، وأمر بصنيعة الكُوسات، فلما جفّت وصلَحت أصواتها ارتحل إلى بلاده؛ فلما ورد شروسنة، تلقّاه خرابغره أبو خاناخره، جدّ كاوس أبي أفشِين باللّعّابين، وأعدّ له هدايا ودوابّ له ولجنده - وكان الذي بينهما متباعدًا - فلما رجع منهزمًا أحبّ أن يتخذ عنده يدًا، فأتاه كلّ ما قدر عليه. ثم أتى خاقان بلاده، وأخذ في الاستعداد للحرب ومحاصرة سَمْرقند، وحُمِل الحارث بن سُرَيج وأصحابه على خمسة آلاف بِرْذون، وفرّق براذين في قوّاد الترك، فلاعب خاقان يومًا كُورصُول بالنّرد على خَطَر (١) تُدْرجة، فقمَر كورصول


(١) الخطر: السبق يتراهن عليه. القاموس المحيط ص ٤٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>