فإذا أتاك فالبسه واحمد الله، وأعلم ذلك طارقًا، فبعث عياض إلي طارق بن أبي زياد بالكتاب، وندم بشير علي كتابه، وكتب إلي عياض: إنّ أهلك قد بدا لهم في إمساك الثوب فلا تتكل عليه؛ فجاء عياض بالكتاب الآخر إلي طارق، فقال طارق: الخبر في الكتاب الأوّل؛ ولكن صاحبك ندم وخاف أن يظهر الخبر فكتب بهذا، وركب طارق من الكوفة إلي خالد وهو بواسط؛ فسار يومًا وليلة، فصبّحهم، فرآه داود البربري -وكان علي حجابة خالد وحرسه وعلي ديوان الرسائل- فأعلم خالدًا، فغضب، وقال: قدم بغير إذن؛ فأذن له؛ فلمّا رآه قال: ما أقدمك؟ قال: أمرٌ كنت أخطأت فيه؛ قال: وما هو؟ قال: وفاة أسد رحمه الله، كتبتُ إلي الأمير أعزّيه عنه، وإنما كان ينبغي لي أن آتيَه ماشيًا، فرقّ خالد ودمعت عيناه، وقال: ارجع إلي عملك؛ قال: أردت أن أذكر للأمير أمرًا أسِرُّه، قال: ما دون داود سرّ، قال: أمر من أمرِي، فغضب داود وخرج، وأخبر طارق خالدًا، قال: فما الرأي؟ قال: تركب إلي أمير المؤمنين فتعتذر إليه من شيء إن كان بلغه عنك. قال: فبئس الرجل أنا إذًا إن ركبت إليه بغير إذنه، قال: فشيء آخر، قال: وما هو؟ قال: تسير في عملك، وأتقدّمك إلي الشأم، فأستأذِنه لك؛ فإنك لا تبلغ أقصي عملك حتي يأتيَكَ إذنه، قال: ولا هذا، قال: فاذهب فأضمن لأمير المؤمنين جميعَ ما انكسر في هذه السنين وآتيك بعهدك مستقبلًا، قال: وما يبلغ ذاك؟ قال: مئة ألف ألف، قال: ومِن أين آخذ هذا! والله ما أجدُ عشرة آلاف درهم، قال: أتحمّل أنا وسعيد بن راشد أربعين ألف ألف درهم، والزينبيّ وأبان بن الوليد عشرين ألف ألف؛ وتفرِّق الباقي علي العمال، قال: إني إذًا للئيم، أن كنت سوَّغتُ قومًا شيئًا ثم أرجع فيه، فقال طارق: إنما نقيك ونقي أنفسنا بأموالنا ونستأنف الدنيا، وتبقي النعمة عليك وعلينا خير من أن يجيء مَن يطالبنا بالأموال؛ وهي عند تجار أهل الكوفة، فيتقاعسون ويتربّصون بنا فنقتل، ويأكلون تلك الأموال، فأبي خالد فودّعه طارق وبكَي, وقال: هذا آخر ما نلتقي في الدنيا؛ ومضي.
ودخل داود، فأخبره خالد بقول طارق، فقال: قد علم أنك لا تخرج بغير إذن؛ فأراد أن يختِلَك ويأتي الشأم، فيتقبّل بالعراق هو وابن أخيه سعيد بن راشد، فرجع طارق إلي الكوفة، وخرج خالد إلي الحمّة.