بعض ويبقي بعض خير من أن تذهب كلها؛ وما كان يستحسن فيما بينك وبينه أن يأخذها كلها، ولا آمن أن يأتيَه باغ أو حاسد فيقبل منه؛ فلأن تعطيَه طائعًا خير من أن تعطيه كارهًا. فقال: ما أنت بمتّهم، ولا يكون ذلك أبدًا. قال: فقلت أطعني واجعلني رسولك، فوالله لا يحلّ عقدةً إلا شددتها، ولا يشدّ عقدة إلا حللتها. قال: إنّا والله لا نعطي علي الذلّ، قال: قلتُ: هل كانت لك هذه الضياع إلا في سلطانه! وهل تستطيع الامتناع منه إن أخذها! قال: لا، قلتُ: فبادره، فإنه يحفظها لك ويشكرك عليها، ولو لم تكن له عندك يد إلّا ما ابتدأك به كنت جديرًا أن تحفظه، قال: لا والله لا يكون ذلك أبدًا، قال: قلتُ فما كنتَ صانعًا إذا عزلك وأخذ ضياعك؟ فاصنعه، فإنّ إخوته وولده وأهل بيته قد سبقوا لك، وأكثروا عليه فيك، ولك صنائع تعود عليهم بما بدا لك، ثم استدرك استتمام ما كان منك إلي صنائعك من هشام. قال: قد أبصرتُ ما تقول وليس إلي ذلك سبيل. وكان العريان يقول: كأنكم به قد عُزِل وأخذ ماله وتجُنّيَ عليه ثم لا ينتفع بشيء، قال: فكان كذلك.
قال الهيثم: وحدّثني ابن عيَّاش: أنّ بلال بن أبي بردة كتب إلي خالد وهو عامله علي البصرة حين بلغه تعتّب هشام عليه: إنّه حدَث أمر لا أجد بدًّا من مشافهتك فيه؛ فإن رأيتَ أن تأذن لي؛ فإنما هي ليلة ويومها إليك، ويوم عندك، وليلة ويومها منصرفًا. فكتب إليه: أن أقبِلْ إذا شئت، فركب هو وموليان له الجمّازات، فسار يومًا وليلة، ثم صلي المغرب بالكوفة؛ وهي ثمانون فرسخًا، فأخبِر خالد بمكانه، فأتاه وقد تعصّب، فقال: أبا عمرو، أتعبتَ نفسك، قال: أجل، قال: متى عهدُك بالبصرة؟ قال: أمسِ، قال: أحقٌّ ما تقول! قال: هو والله ما قلت: قال: فما أنصبك؟ قال: ما بلغني من تعتّب أمير المؤمنين وقوله: وما بغاك به ولدُه وأهل بيته؛ فإنْ رأيت أن أتعرّض له وأعرض عليه بعض أموالنا، ثم ندعوه منها إلي ما أحبّ وأنفسنا به طيّبة، ثم أعرض عليه مالك، فما أخذ منه فعلينا العوض منه بعد. قال: ما أتّهمك وحتي أنظر؛ قال: إني أخاف أن تعاجَل، قال: كلا، قال: إن قريشًا من قد عرفتَ، ولاسيما سرعتهم إليك قال: يا بلال؛ إني والله ما أعطي شيئًا قسرًا أبدًا. قال أيها الأمير، أتكلم؟ قال: نعم، قال: إن هشامًا أعذر منك، يقول: استعملتُك، وليس لك شيء، فلم تر من