للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مولى عبد الملك بن مروان بالرّصافة، فقال له: اكتب إليّ بما يحدث قبَلكم، وأخرج معه عبد الصمد بن عبد الأعلى، فشربوا يومًا فلما أخذ فيهم الشراب، قال الوليد لعبد الصمد: يا أبا وهب، قل أبياتًا، فقال (١):

أَلم تَر للنجم إذ شُيِّعا ... يُبادِرُ في بُرجِه المَرْجِعا

تحيَّرَ عنْ قصدِ مَجْراتِهِ ... أَتي الغوْر والتَمَس المَطْلَعا

فقلتُ وأعْجبَنِي شأْنُه ... وقد لاحَ إذ لاحَ لِي مُطعِمَا:

لعَلَّ الوليدَ دنا مُلكُهُ ... فأَمسى إليه قدِ استُجمعَا

وكنَّا نؤمِّلُ في ملكِه ... كتأْميلِ ذي الجدْب أن يُمْرِعًا

عَقَدنا له مَحْكمَاتِ الأُمو ... رِطوعًا فكان لهَا مَوْضعا

ورُوي الشعر؛ فبلغ هشامًا؛ فقطع عن الوليد ما كان يُجري عليه، وكتب إلى الوليد: بلغني عَنْك أنك اتّخذتَ عبد الصمد خِدنًا ومحدّثًا ونديمًا؛ وقد حقَّق ذلك عندي ما بلغني عنك، ولم أبَرئك من سوء، فأخرِج عبد الصمد مذمومًا مدحورًا، فأخرجه، وقال فيه:

لقد قَذفوا أَبا وهْبٍ بأَمرٍ ... كبير بل يزيدُ على الكَبيرِ (٢)

فأَشهَدُ أنهم كَذبوا عليه ... شهادةَ عالِمٍ بِهِمِ خبِيرِ

وكتب الوليد إلى هشام يُعْلمه إخراج عبد الصمد، واعتذر إليه مما بلغه من منادمته، وسأله أن يأذن لابن سهيل في الخروج إليه - وكان ابن سهيل من أهل اليمن وقد ولي دمشق غير مرّة، وكان ابن سهيل من خاصّة الوليد - فضرب هشام بنَ سُهيل وسيّره، وأخذ عياض بن مسلم كاتب الوليد، وبلغه أنه يكتب بالأخبار إلى الوليد، فضربه ضربًا مبرِّحًا، وألبسه المُسوح. فبلغ الوليد، فقال: مَنْ يثق بالناس، ومن يصطنع المعروف! هذا الأحول المشؤوم قدّمه أبي على أهل بيته فصيَّره وليّ عهده، ثم يصنع بي ما ترون؛ لا يعلم أنّ لي في أحد هوًى إلا عبث به، كتب إليّ أن أخرِج عبد الصمد فأخرجتُه إليه، وكتبت إليه أن يأذن لابن سهيل في الخروج إليّ، فضربه وسيَّره، وقد علم رأي فيه، وقد علم انقطاع عياض بن مسلم إليّ، وتحرّمه بي ومكانه مني وأنه كاتبي، فضربه


(١) الأغاني ٧: ٨.
(٢) الأغاني ٧: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>