أطَوَع، فإن أبيتَ إلّا المضيّ على رأيك فأظهِرْ أنّ العباس قد بايعك، وكانت الشأم تلك الأيام وبيّة، فخرجوا إلى البوادي؛ وكان يزيد بن الوليد متبدّيًا، وكان العباس بالقَسْطل بينهما أميال يسيرة.
فحدّثني أحمد بن زهير. قال: حدّثني عليّ، قال: أتي يزيد أخاه العباس، فأخبره وشاوره، وعاب الوليد، فقال له العبّاس: مهلًا يا يزيد؛ فإنّ في نقض عهد الله فساد الدين والدنيا، فرجع يزيد إلى منزله، ودبّ في الناس فبايعوه سرًّا، ودسّ الأحنفَ الكلبيّ ويزيدَ بن عنبسة السكسكيَّ وقومًا من ثِقاته من وجوه الناس وأشرافهم، فدعوا الناس سرًّا، ثم عاود أخاه العباس ومعه قَطن مولاهم، فشاوره في ذلك، وأخبره أنّ قومًا يأتونه يريدونه على البَيْعة، فزَبرَه العباس، وقال: إن عدّت لمثل هذا لأشدَّنَّكَ وثاقًا، ولأحملنّك إلى أمير المؤمنين! فخرج يزيد وقَطَن، فأرسل العباس إلى قَطن، فقال: ويحك يا قطن! أتري يزيد جادًّا! قال: جُعلتُ فداك! ما أظنّ ذاك؛ ولكنه قد دخله مما صنع الوليد ببني هشام وبني الوليد وما يَسمع مع الناس من الاستخفاف بالدين وتهاونه ما قد ضاق به ذرعًا، قال: أما والله إني لأظنُّه أشأم سَخْلة في بني مروان؛ ولولا ما أخاف من عَجَلة الوليد مع تحامُله علينا لشددتُ يزيد وَثاقًا، وحملته إليه؛ فازجُرْه عن أمره، فإنه يسمع إليك. فقال يزيد لقَطَن: ما قال لك العباس حين رآك؟ فأخبره، فقال له: والله لا أكفّ.
وبلغ معاويةَ بن عمرو بن عتبة خوضُ الناس؛ فأتي الوليدَ فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنك تبسط لساني بالأنس بك، وأكفُّه بالهيبة لك، وأنا أسمع ما لا تسمع وأخاف عليك ما أراك تأمن، أفأتكلم ناصحًا، أو أسكت مطيعًا؟ قال: كلٌّ مقبول منك؛ ولله فينا علم غَيْب نحن صائرون إليه؛ ولو علم بنو مرْوان أنهم إنما يوقدون على رَضْف (١) يلقوْنه في أجوافهم ما فعلوا، ونَعود ونسمع منك.
وبلغ مَرْوانَ بن محمد بأرمينيَة أنّ يزيد يؤلّب الناس، ويدعو إلى خَلْع الوليد؛ فكتب إلى سعيد بن عبد الملك بن مَرْوان يأمره أن ينهَي الناس ويكفّهم - وكان
(١) الرضف: الحجارة المحماة. القاموس المحيط ص ١٠٥١.