سعيد يتألَّه -: إن الله جعل لكل أهل بيت أركانًا يعتمدون عليها، ويتّقوُن بها المخاوف، وأنت بحمد ربّك ركْنٌ من أركان أهل بيتك؛ وقد بلغني أنّ قومًا من سفهاء أهلِ بيتك قد استنّوا أمرًا - إن تمَّت لهم رَوِيّتُهم فيه على ما أجمعوا عليه من نقضِ بيعتهم - استفتحوا بابًا لن يغلِقَه الله عنهم حتى تُسفك دماء كثيرة منهم؛ وأنا مشتغل بأعظم ثغور المسلمين فُرَجًا، ولو جَمَعتَنِي وإياهم لَرممْتُ فسادَ أمرهم بيدي ولساني، ولخفت الله في ترك ذلك؛ لعلمي ما في عواقب الفُرْقة من فساد الدين والدنيا؛ وأنه لن ينتقل سلطان قوم قطُّ إلا بتشتيت كلمتهم؛ وإنّ كَلمتهم إذا تشتّت طمع فيهم عدُّوهم، وأنت أقربُ إليهم منّي، فاحتل لعلم ذلك وإظهار المتابعة لهم؛ فإذا صرت إلى علم ذلك فتهدَّدْهم بإظهار أسرارهم، وخُذْهم بلسانك، وخَوِّفهم العواقب؛ لعلّ الله أن يردَّ إليهم ما قد عزب عنهم من دينهم وعقولهم؛ فإن فيما سعَوْا فيه تغيّر النعم وذهاب الدّولة، فعاجل الأمر وحَبْل الألفة مشدودٌ، والناس سكون، والثّغور محفوظة؛ فإنّ للجماعة دَوْلة من الفُرْقة وللسَّعة دافعًا من الفقر، وللعدد منتقصًا، ودُوَل الليالي مختلفة على أهل الدنيا، والتقلّب مع الزيادة والنقصان؛ وقد امتدّت بنا - أهل البيت - متتابعات من النعم، قد يعيبها جميع الأمم وأعداء النعم وأهل الحسد لأهلها؛ وبحسد إبليس خرج آدم من الجنة، وقد أمّل القومُ في الفتنة أملا؛ لعلَّ أنفسهم تهلك دون ما أمّلوا، ولكلّ أهل بيت مشائيم يُغيّر الله النعمة بهم - فأعاذك الله من ذلك - فاجعلني من أمرهم على علم، حفظَ الله لك دينَك، وأخرجَك مما أدخلك فيه، وغلب لك نفسك على رشدك.
فأعظم سعيد ذلك، وبعث بكتابه إلى العباس، فدعا العباس يزيدَ فعذَله وتهدَّده، فحذّره يزيد، وقال: يا أخي، أخاف أن يكون بعض مَنْ حسدنا هذه النعمة من عَدُوّنا أراد أن يُغْرِيَ بيننا؛ وحَلَفَ له أنه لم يفعل، فصدّقه. [٧/ ٢٣٣ - ٢٣٩].
قال: فلما اجتمع ليزيد أمره وهو متبدّ، أقبل إلى دمشق وبينه وبين دمشق أربع ليال، متنكرًّا في سبعة نفر على حمِير، فنزلوا بجَرود على مَرْحلة من دمشق، فرمى يزيد بنفسه فنام، وقال القوم لموليً لعباد بن زياد: أما عندك طعام فنشتريه؟ قال: أما لبيعٍ فلا، ولكن عندي قراكم وما يسعكم.