إلى شابّ طويل على فرس، فدنا من حائط القَصْر فعلاه، ثم صار إلى داخل القصر، قال: فدخلت القصر، فإذا الوليد قائم في قميص قَصب وسراويل وَشْي، ومعه سيف في غمد والناس يشتمونه، فأقبل إليه بشر بن شيبان مولى كنانة بن عمير؛ وهو الذي دخل من الحائط، فمضى الوليد يريد الباب - أظنه أراد أن يأتي عبد العزيز - وعبد السلام عن يمينه ورسول عمرو بن قيس عن يساره، فضربه على رأسه؛ وتعاوره الناس بأسيافهم فقتِل، فطرح عبد السلام نفسَه عليه يحتزُّ رأسه - وكان يزيد بن الوليد قد جعل في رأس الوليد مئة ألف - وأقبل أبو الأسد مولى خالد بن عبد الله القسريّ فسلخ من جلد الوليد قَدْر الكفّ، فأتي بها يزيدَ بن خالد بن عبد الله، وكان محبوسًا في عسكر الوليد، فانتهب الناس عسكر الوليد وخزائنه، وأتاني يزيد العُلَيميّ أبو البَطريق بن يزيد؛ وكانت ابنته عند الحكم بن الوليد، فقال: امنع لي متاع ابنتي، فما وصل أحدٌ إلى شيء زعم أنه له.
قال أحمد: قال عليّ: قال عمرو بن مَروان الكلبيّ: لما قُتل الوليد قُطعت كفّه اليسرى، فبُعث بها إلى يزيد بن الوليد، فسبقت الرّأس؛ قُدِم بها ليلة الجمعة، وأتِيَ برأسه من الغِد، فنصبه للناس بعد الصلاة، وكان أهل دمشق قد أرجفوا بعبد العزيز، فلما أتاهم رأس الوليد سكتوا وكفّوا. قال: وأمر يزيد بنصب الرأس، فقال له يزيد بن فروة مولي بني مروان: إنما تنصب رؤوس الخوارج، وهذا ابنُ عمّك؛ وخليفة، ولا آمنُ إن نصبتَه أن ترقّ له قلوب الناس، ويغضب له أهل بيته؛ فقال: والله لأنصبنّه، فنصبه على رمح، ثم قال له: انطلق به، فطُفْ به في مدينة دمشق؛ وأدخله دار أبيه. ففعل، فصاح الناس وأهل الدار، ثم ردّه إلى يزيد، فقال: انطلق به إلى منزلك؛ فمكث عنده قريبًا من شهر، ثم قال له: ادفعه إلى أخيه سليمان - وكان سليمان أخو الوليد ممن سعي على أخيه - فغسل ابن فروة الرّأس، ووضعه في سَفط، وأتي به سليمان، فنظر إليه سليمان، فقال: بُعدًا له! أشهد أنه كان شَرُوبًا للخمر، ماجنًا فاسقًا؛ ولقد أرادني على نفسي الفاسق، فخرج ابن فروة من الدار، فتلقَّته مولاة للوليد، فقال لها: ويحكِ! ما أشدَّ ما شتمه! زعم أنه أراده على نفسه! فقالت: كذب والله الخبيث، ما فعل، ولئن كان أراده على نفسه لقد فَعَل؛ وما كان ليقدر على الامتناع منه.