وسعيد ابناه، وأمر بالإذن، فقامت ابنتاه لتتنحيّا، فقال: وما لهما تَتنحيّان، وهشام في كلّ يوم يسوقهنّ إلى الحبس! فدخل الناس، فقام إسماعيل وابناه دون ابنتيه يسترونهما، فقال خالد: خرجتُ غازيًا في سبيل الله؛ سامعًا مطيعًا، فخُلفتُ في عَقِبي، وأخذ حُرَمي وحُرَم أهل بيتي؛ فحبِسوا مع أهل الجرائم كما يفعل بأهل الشرْك! فما منع عصابةً منكم أن تقوم فتقول: علام حُبس حُرم هذا السامع المطيع! أخفتم أن تقتلوا جميعًا! أخافكم الله! ثم قال: ما لي ولهشام! ليكفنّ عني هشام أو لأدعونّ إلى عراقيّ الهوي شأميّ الدار حجازيّ الأصل - يعني محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس - وقد أذنت لكم أن تبلّغوا هشامًا، فلما بلغه ما قال، قال: خَرِفَ أبو الهيثم.
وذكر أبو زيد أن أحمد بن معاوية حدّثه عن أبي الخطاب، قال: قال خالد: أما والله، لئن ساء صاحب الرُّصافة - يعني هشامًا - لننصبنّ لنا الشأميّ الحجازيَّ العراقيَّ، ولو نخر نخرةً تداعتْ من أقطارها.
فبلغت هشامًا، فكتب إليه: إنك هذَّاءَةٌ هُذَرَةٌ (١)، أبِبَجيلة القليلة الذليلة تتهدَّدني! قال: فوالله ما نصره أحد بيدٍ ولا بلسان إلّا رجل من عبس، فإنه قال:
فإنْ تَسْجُنوا القسريَّ لا تَسْجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفَهُ في القبائل
فأقام خالد ويزيد وجماعة أهل بيته بدمشق، ويوسف ملحٌّ على هشام يسأله أن يوجه إليه يزيد، وكتب هشام إلى كُلثوم بن عياض يأمره بأخْذ يزيد والبعثة به إلى يوسف، فوجه كلثوم إلى يزيد خيلًا وهو في منزله، فشدّ عليهم يزيد، فأفرجوا له، ثم مضى على فرسه، وجاءت الخيل إلى كُلثوم فأخبروه، فأرسل إلى خالد الغدَ من يوم تنحّى يزيد خيلًا، فدعا خالد بثيابه فلبسَها، وتصارخ النساء، فقال رجل منهم: لو أمرتَ هؤلاء النسوة فسكتن! فقال: ولمَ؟ أما والله لولا الطاعة لعَلم عبد بني قَسْر أنه لا ينال هذه مني، فأعلِموه مقالتي؛ فإن كان
(١) هذأه بلسانه، إذا أسمعه ما يكره. القاموس المحيط ص ٧٢، والهذر: الكلام الباطل. القاموس المحيط ص ٦٣٨.