فقرظه وذكر يوسف وجَوْره، وقامت الخطباء فشعّثوا من الوليد ويوسف، فأتيته فأقصصت قِصّتهم، فجعلت لا أذكر رجلًا ممّن ذكره بسوء إلا قال: لله عليّ أن أضربه مئة سوّط، مئتي سوط؛ ثلثمئة سوط؛ فجعلت أتعجّب من طمعه في الولاية بعد؛ وتهدده الناس، فتركه سليمان بن سُليم، ثم أرسله إلى الشام فاختفى بها، ثم تحوّل إلى البلقاء.
ذكر عليّ بن محمد أن يوسف بن عمر وجّه رجلًا من بني كلاب في خمسمئة، وقال لهم: إن مرّ بكم يزيد بن الوليد فلا تَدعُنّه يجوز، فأتاهم منصور بن جمهور في ثلاثين، فلم يهايجوه، فانتزع سلاحهم منهم، وأدخلهم الكوفة، قال: ولم يخرج مع يوسف من الكوفة إلّا سفيان بن سلامة بن سليم بن كيسان وغسّان بن قعاس العذريّ، ومعه من ولده لصلبه ستون بين ذكر وأنثى، ودخل منصور الكوفة لأيام خَلَوْن من رجب، فأخذ بيوت الأموال، وأخرج العَطاء والأرزاق، وأطلق مَن في سجون يوسف من العمال وأهل الخراج.
قال: فلما بلغ يوسف البلقَاء حينئذ بلغ خبرُه إلى يزيد بن الوليد؛ فحدّثني أحمد بن زهير؛ قال: حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم خالد بن يزيد بن هريم، قال: حدّثنا أبو هاشم مخلّد بن محمد بن صالح مولى عثمان بن عفان، قال: سمعت محمد بن سعيد الكلبيّ - وكان من قوّاد يزيد بن الوليد - يقول: إنّ يزيد وجّهه في طلب يوسف بن عمر حيث بلغه أنه في أهله بالبلقاء، قال: فخرجت في خمسين فارسًا أو أكثر، حتى أحطت بداره بالبلقاء، فلم نزل نفتّش، فلم نر شيئًا، وكان يوسف قد لبس لُبسة النساء، وجلس مع نسائه وبناته، ففتشهنّ فظفر به مع النساء، فجاء به في وَثاق، فحبسه في السجن مع الغلامين ابني الوليد، فكان في الحبس ولايةَ يزيد كلها وشهرين وعشرة أيام من ولاية إبراهيم؛ فلما قدم مروان الشام وقرب من دمشق وليَ قتلهم يزيد بن خالد، فأرسل يزيد مولى خالد - يكنى أبا الأسد - في عدَّة من أصحابه، فدخل السجن لشدخ الغلامين بالعَمد، وأخرج يوسف بن عمر فضرب عنقه.
وقيل: إن يزيد بن الوليد لما بلغه مصيرُ يوسف إلى البَلْقاء وجّه إليه خمسين فارسًا، فعرض له رجل من بني نُمير، فقال: يابن عمّ، أنت والله مقتول فأطعني وامتنع، وائذن لي حتى أنتزعَك من أيادي هؤلاء. قال: لا، قال: فَدعْنِي أقتلك