أنا، ولا يقتلك هذه اليمانية؛ فتغيّظنا بقتلك، قالى: ما لي في واحدة مما عرضتَ عليّ خيار، قال: فأنت أعلم.
ومضوا به إلى يزيد، فقال: ما أقدمك؟ قال: قدم منصور بن جمهور واليًا فتركته والعمل، قال: لا، ولكنك كرهت أن تليَ لي، فأمر بحبسه، وقل: إن يزيد دعا مسلم بن ذكوان ومحمد بن سعيد بن مطرِّف الكلبيّ، فقال لهما؛ إنه بلغني أنّ الفاسق يوسف بن عمر قد صارَ إلى البلقاء، فانطلِقا فائْتياني به، فطلباه فلم يجدَاه: فرهَّبا ابنًا له، فقال: أنا أدلّكما عليه، فقال: إنه انطلق إلى مَزرعة له على ثلاثين ميلًا، فأخذا معهما خمسين رجلًا من جُنْد البلقاء، فوجدوا أثره - وكان جالسًا - فلما أحسّ بهم هرب وترك نعليه، ففتّشا فوجداه بين نسوة قد ألقيْن عليه قطيفة خزّ، وجلسْنَ على حواشيها حاسرات، فجرّوا برجله، فجعل يطلب إلى محمد بن سعيد أن يُرضِيَ عنه كلبًا، ويدفع عشرة آلاف دينار وديَةَ كلثوم بن عمير وهانئ بن بشر، فأقبلا إلى يزيد، فلقيه عاملٌ لسليمان على نوبة من نوائب الحرس، فأخذ بلحيته فهزّها، ونتف بعضها - وكان من أعظم الناس لحية وأصغرهم قامة - فأدخلاه على يزيد، فقبض على لحية نفسه - وإنها حينئذ لتَجوز سرّته - وجعل يقول: نتف والله يا أمير المؤمنين لحيتي، فما بقي فيها شعرة. فأمر به يزيد فحبُس في الحَضْراء، فدخل عليه محمد بن راشد، فقال له: أما تخاف أن يطلّع عليك بعض من قد وترت، فيُلقى عليك حجرًا! فقال: لا والله ما فطنت إلى هذا، فنشدتك الله إلّا كلمتَ أمير المؤمنين في تحويلي إلى مجلس غير هذا؛ وإن كان أضيقَ منه! قال: فأخبرت يزيد، فقال: ما غاب عنك من حُمقه أكثر، وما حبستُه إلا لأوجّهه إلى العراق، فيقام للناس وتُؤخذ المظالم من ماله ودمه.
ولما قَتل يزيد بن الوليد الوليدَ بن يزيد، ووجّه منصور بن جمهور إلى العراق كتب يزيد بن الوليد إلى أهل العراق كتابًا يذكر فيه مساوئ الوليد، فكان مما كتب به - فيما حدّثني أحمد بن زهير عن عليّ بن محمد: إنّ الله اختار الإسلام دينًا وارتضاه وطهّره، وافترض فيه حقوقًا أمر بها، ونهى عن أمور حرّمها؛ ابتلاء لعباده في طاعتهم ومعصيتهم، فأكمل فيه كلّ منقبَة خير وجسيم فضل؛ ثم تولّاه، فكان له حافظًا ولأهله المقيمين حدوده وليًّا، يحوطهم ويعرّفهم بفضل