بلى! قال ألم أرِش عليًّا ابنك على كرْه من قومك! قال: بلى، قال: فبدّلت ذلك إجماعًا على الفتنة! قال الكرمانيّ: لم يقل الأمير شيئًا إلّا وقد كان أكثر منه، فأنا لذلك شاكر؛ فإنْ كان الأمير حَقَن دمي فقد كان منّي أيام أسد بن عبد الله ما قد علم، فليستأنِ الأمير ويتثبَّت فلست أحبّ الفتنة، فقال عصمة بن عبد الله الأسديّ: كذبتَ؛ وأنت تريد الشَّغب، وما لا تناله. وقال سلم بن أحْوَزِ: اضرب عنقه أيها الأمير، فقال المقدام وقدامة ابنا عبد الرحمن بن نُعَيم الغامديّ: لَجلساء فرعون خير منكم، إذ قالوا:{أَرْجِهْ وَأَخَاهُ}(١)، والله لا يقتلَنْ الكرمانيّ بقولك يا بن أحوز [وعلت الأصوات، فأمر] نصر سلمًا بحبس الكرمانيّ، فحبس لثلاث بقين من شهر رمضان سنة ست وعشرين ومئة، فكلمت الأزْد، فقال نصر: إنّي حلفت أن أحبسه ولا يبدؤه مني سوء، فإن خشيتم عليه فاختاروا رجلًا يكون معه، قال: فاختاروا يزيد النحويّ؛ فكان معه في القهندز، وصيَّر حرسه بني ناجية أصحاب عثمان وجَهْم ابني مسعود. قال: وبعث الأزد إلى نصر المغيرة بن شعبة الجهضميّ وخالد بن شعيب بن أبي صالح الحُدانيّ، فكلَّماه فيه. قال: فلبث في الحبس تسعة وعشرين يومًا؛ فقال عليّ بن وائل أحد بني ربيعة بن حنظلة: دخلت على نَصْر، والكِرمانيّ جالس ناحية، وهو يقول: ما ذنبي إن كان أبو الزعفران جاء! فوالله ما واريته ولا أعلم مكانه.
وقد كانت الأزد يوم حُبس الكِرمانيّ أرادت أن تنزعَه من رُسله، فناشدهم الله الكرمانيّ ألّا يفعلوا، ومضى مع رسل سَلْم بن أحوز، وهو يضحك، فلما حبِس تكلّم عبد الملك بن حَرْملة اليَحْمَديّ والمغيرة بن شعبة وعبد الجبار بن شعيب بن عبّاد وجماعة من الأزْد، فنزلوا نَوْش، وقالوا: لا نرضى أن يحبَس الكرمانيّ بغير جناية ولا حَدَث، فقال لهم شيوخ من اليحمَد: لا تفعلوا وانظروا ما يكون من أميركم، فقالوا: لا نرضى؛ ليَكفّنّ عنا نصر أو لنَبدأنّ بكم، وأتاهم عبد العزيز بن عبّاد بن جابر بن همام بن حنظلة اليحْمَدي في مئة، ومحمد بن المثنّى وداود بن شعيب، فباتوا بنَوْش مع عبد الملك بن حَرْملة ومَن كان معه، فلما أصبحوا أتوا حوْزان، وأحرقوا منزل عزّة أمّ ولد نصر - وأقاموا ثلاثة أيام، وقالوا: لا نرضى؛ فعند ذلك صيّروا عليه الأمناء، فجعلوا معه يزيد النحويّ