بالمنصورة، فرجع إليه فأخذه، فبنى له أسطوانة من آجرّ مجوّفة، وأدخله فيها، ثم سمّره إليها، وبنى عليه.
قال: وكتب مَرْوان إلى الرُّماحس في طلب ثابت والتلطف له، فدلّ عليه رجل من قومه فأخذ ومعه نفر، فأتِي به مَرْوان موثَقًا بعد شهرين، فأمر به وببنيه الذين كانوا في يديه، فقطِعت أيديهم وأرجلهم؛ ثم حمِلوا إلى دمشق، فرأيتهم مقطَّعين، فأقيموا على باب مسجدها؛ لأنه كان يبلغه أنهم يرجفون بثابت، ويقولون: إنه أتى مصر؛ فغلب عليها، وقتل عامل مَرْوان بها، وأقبل مَرْوان من دير أيوب حتى بايع لابنيه عبيد الله وعبد الله، وزوّجهما ابنتي هشام بن عبد الملك؛ أمّ هشام وعائشة، وجمع لذلك أهل بيته جميعًا؛ من ولد عبد الملك محمد وسعيد وبكار وولد الوليد وسليمان ويزيد وهشام وغيرهم من قريش ورؤوس العرب، وقطع على أهل الشام بعثًا وقوّاهم، وولى على كل جند منهم قائدًا منهم، وأمرهم باللّحاق بيزيد بن عمر بن هُبيرة، وكان قبل مسيره إلى الشام وجهه في عشرين ألفًا من أهل قِنّسرين والجزيرة، وأمره أن ينزل دورين إلى أن يقدم، وصيّره مقدّمة له، وانصرف من دير أيوب إلى دمشق؛ وقد استقامت له الشام كلها ما خلا تدمر، وأمر بثابت بن نعيم وبنيه والنّفر الذين قطعهم فقتلوا وصلبوا على أبواب دمشق، قال: فرأيتُهم حين قتِلوا وصُلِبوا. قال: واستبقى رجلًا منهم يقال له عمرو بن الحارث الكلبيّ، وكان - فيما زعموا - عنده علم من أموال كان ثابت وضعها عند قوم، ومضى بمن معه، فنزل القسطل من أرض حِمْص مما يلي تدمُر؛ بينهما مسيرة ثلاثة أيام؛ وبلغه أنهم قد عَوَّروا (١) ما بينه وبينها من الآبار، وطمُّوها بالصخر؛ فهيّأ المزاد والقرب والأعلاف والإبل، فحمل ذلك له ولمن معه، فكلمه الأبرش بن الوليد وسليمان بن هشام وغيرهما، وسألوه أن يُعذِر إليهم، ويحتجّ عليهم، فأجابهم إلى ذلك، فوجّه الأبرش إليهم أخاه عمرو بن الوليد، وكتب إليهم يحذّرهم ويعلمهم أنه يتخوّف أن يكون هلاكه وهلاك قومه، فطردوه ولم يُجيبوه، فسأله الأبرش أن يأذن له في التوجّه إليهم، ويؤجله أيامًا، ففعل، فأتاهم فكلمهم وخوّفهم وأعلمهم أنهم
(١) عور البئر: أفسدها. القاموس المحيط (٦١٢). وفي اللسان (٤/ ٦١٧): وفي حديث علي: أمره أن يعور آبار بدر، وأن يدفنها ويطمها.