هشام في مدينة حِمْص، وعرف أنه لا طاقة له به، ومضى هو إلى تَدْمر، فأقام بها، ونزل مَرْوان على حِمْص، فحاصرهم بها عشرة أشهر، ونصب عليها نَيّفًا وثمانين مِنْجنيقًا، فطرح عليهم حجارتها بالليل والنهار وهم في ذلك يخرجون إليه كلّ يوم فيقاتلونه، وربما بيّتوا نواحي عسكره، وأغاروا على الموضع الذي يطمعون في إصابة العوْرة والفرضة منه.
فلما تتابع عليهم البلاء، ولزمهم الذُّلُّ سألوه أن يؤمّنهم على أن يمكنوه من سعيد بن هشام وابنْيه عثمان ومرْوان ومن رجل كان يسمى السكسكيّ، كان يغير على عسكرهم، ومن حبشيّ كان يشتمه ويفتري عليه؛ فأجابهم إلى ذلك وقبِله، وكانت قصّة الحبشي أنه كان يشرف من الحائط ويربط في ذكَرَه ذكَرَ حمار، ثم يقول: يا بني سليم، يا أولاد كذا وكذا، هذا لواؤكم! وكان يشتم مروان، فلما ظفر به دفعه إلى بني سُليم، فقطعوا مذاكيرَه، وأنفه، ومثّلوا به، وأمر بقتل المتسمّي السكسكيّ والاستيثاق من سعيد وابنيه، وأقبل متوجّهًا إلى الضحاك.
وأما غير أبي هاشم مخلّد بن محمد، فإنه ذكر من أمر سليمان بن هشام بعد انهزامِه من وقعة خُساف غير ما ذكره مخلّد؛ والذي ذكره من ذلك أن سليمان بن هشام بن عبد الملك حين هزمه مَرْوان يوم خُساف أقبل هاربًا؛ حتى صار إلى عبد الله بن عمر، فخرج مع عبد الله بن عمر إلى الضّحاك، فبايعه، وأخبر عن مروان بفسق وجور وحضّض عليه، وقال: أنا سائر معكم في مواليّ ومَن اتبعني، فسار مع الضحاك حين سار إلى مروان، فقال شُبيل بن عَزْرة الضُّبَعيّ في بيعتهم الضحاك:
فصارت كلمة ابن عمر وأصحابه واحدة على النَّضر بن سعيد، فعلم أنه لا طاقة له بهم؛ فارتحل من ساعته يريد مَرْوان بالشام.
وذكر أبو عبيدة أن بَيْهسًا أخبره: لما دخل ذو القعدة سنة سبع وعشرين ومئة، استقام لمرْوان الشام ونفى عنها مَن كان يخالفه، فدعا يزيد بن عمر بن هبيرة، فوجَّهَه عاملًا على العراق، وضمّ إليه أجناد الجزيرة، فأقبل حتى نزل سعيد بن عبد الملك، وأرسل ابن عمر إلى الضَّحاك يعلمه ذلك.