الحارث: قد علمتُ أن هذا حقٌ، ولكن لا يبايعني عليه مَنْ صحبني، فقال نصر: فقد استبان أنهم ليسوا على رأيك، ولا لهم مثلُ بصيرتك، وأنهم هم فساق ورَعاع، فأذكرك الله في عشرين ألفًا من ربيعة واليمن سيَهْلكون فيما - بينكم، وعرض نصر على الحارث أن يولّيَه ما وراء النهر، ويعطيَه ثلثمئة ألف؛ فلم يقبل؛ فقال له نصر: فإن شئت فابدأ بالكرْمانيّ فإن قتلتَه فأنا في طاعتك، وإن شئت فخلِّ بيني وبينه؛ فإن ظفرتُ به رأتحط رأيك، وإن شئتَ فسرْ بأصحابك؛ فإذا جزت الرّيّ فأنا في طاعتك.
قال: ثم تناظر الحارث ونصر، فتراضيا أن يحكم بينهم مقاتل بن حيَان وجَهْم بن صفوان، فحكما بأن يعتزل نصر، ويكون الأمر شورى، فلم يقبل نصر، وكان جَهْم يقصّ في بيته في عسكر الحارث، وخالف الحارث نصرًا، ففرض نصر لقومه من بني سلمة وغيرهم، وصيّر سَلْمًا في المدينة في منزل ابن سوّار، وضمّ إليه الرَّابطة وإلى هدبة بن عامر الشعراويّ فرسًا، وصيَّره في المدينة، واستعمل على المدينة عبد السلام بن يزيد بن حيّان السُّلميّ، وحوَّل السلاح والدّواوين إلى القهندز، واتَّهم قومًا من أصحابه أنهم كاتبوا الحارث، فأجلس عن يساره مَن اتّبعهم ممن لا بلاء له عنده، وأجلس الّذَين ولَّاهم واصطنعهم عن يمينه؛ ثم تكلم وذكر بني مَرْوان ومَن خرج عليهم؛ كيف أظفر الله به؛ ثم قال: أحمدُ الله وأذمُّ مَن على يساري؛ وليتُ خراسان فكنتَ يا يونس بن عبد ربّه ممن أراد الهرب من كلف مؤونات مَرْو، وأنت وأهل بيتك ممن أراد أسد بن عبد الله أن يختم أعناقهم، ويجعلهم في الرّجالة، فوليتكم إذ وليتكم واصطنعتكم وأمرتكم أن ترفعوا ما أصبتم إذا أردتُ المسير إلى الوليد، فمنكم مَنْ رفع ألف ألف وأكثر وأقلّ، ثم ملأتم الحارث عليّ، فهلّا نظرتم إلى هؤلاء الأحرار الذين لزموني مؤاسين على غير بلاء! وأشار إلى هؤلاء الذين عن يمينه، فاعتذر القوم إليه، فقبل عذرهم.
وقدم على نصر من كورخراسان حين بلغهم ما صار إليه من الفتنة جماعةٌ؛ منهم عاصم بن عمير الصُّريميّ وأبو الذيّال الناجيّ وعمرو الفادوسبان السُّغدْيّ البخاريّ وحسان بن خالد الأسديّ من طُخارستان في فوارس، وعَقيل بن معْقل الليثيّ ومسلم بن عبد الرحمن بن مسلم وسعد الصَّغير في فرسان.