وكان الذي أهاج القتال، أنّ غلامًا للنَّضْر بن محمد الفقيه يقال له عطية، صار إلى أصحاب سَلْم، فقال أصحاب الحارث: رُدُّوه إلينا، فأبوْا، فاقتتلوا، فرمى غلامًا لعاصم في عينه فمات؛ فقاتلهم ومعه عَقِيل بن مَعْقِل فهزمهم، فانتهوْا إلى الحارث وهو يصليّ الغداةَ في مسجد أبي بَكرْة، مولى بني تميم؛ فلما قضى الصلاة دنا منهم، فرجعوا حتى صاروا إلى طَرف الطُخارِيَّة، فدنا منه رجلان، فناداهما عاصم: عَرْقِبا بِرْذونه؛ فضرب الحارث أحَدهما بعَموده فقتله، ورجع الحارث إلى سكة السُّغد، فرأى أعينَ مولى حيّان، فنهاه عن القتال، فقاتل فقتل، وعَدَل في سكة بني عصمة، فأتبعه حماد بن عامر الحمانيّ ومحمد بن زُرعة، فكسر رمحيْهما، وحملِ على مرزوق مولَى سَلْم؛ فلما دنا منه رمى به فرسه؛ فدخل حانوتًا، وضرب بِرْذَوْنه على مؤخّره فنفق. قال: وركب سلْم حين أصبح إلى باب نيق، فأمرهم بالخندق، فخندقوا وأمر مناديًا، فنادى: مَن جاء برأس فله ثلثمئة، فلم تطلع الشمس حتى انهزم الحارث، وقاتلهم الليل كله، فلما أصبحنا أخذ أصحاب نصر على الرزيق، فأدركوا عبد الله بن مجّاعة بن سعد، فقتلوه، وانتهى سلْم إلى عسكر الحارث؛ وانصرف إلى نَصْر فنهاه نصر، فقال: لست منتهيًا حتى أدخل المدينة على هذا الدبُّوسيّ؛ فمضى معه محمد بن قَطَن وعبيد الله بن بسام إلى باب دَرْسنْكان - وهو القهندز - فوجده مردومًا، فصعِد عبد الله بن مَزْيَد الأسديّ السور ومعه ثلاثة، ففتحوا الباب، ودخل بن أحْوَز، ووكّل بالباب أبا مطهّر حرب بن سليمان، فقتِل سلم يومئذ كاتب الحارث بن سرَيج، واسمه يزيد بن داود، وأتى عبد ربه ابن سِيسن فقتَله، ومضى سلْم إلى باب نِيق ففتحه، وقتل رجلًا من الجزّارين كان دلّ الحارث على النَّقْب؛ فقال المنذر الرقاشيّ ابن عمّ يحيى بن حضين، يذكر صبر القاسم الشيبانيّ:
ما قاتَلَ القومَ منكُمْ غَيْرُ صاحِبنا .. في عُصْبَةٍ قاتلوا صَبرًا فما ذُعِرُوا
هُمْ قاتلوا عِندَ بابِ الحصنِ ما وَهَنُوا ... حتى أتاهُمْ غِياثُ اللهِ فانتَصرُوا
فقاسِمٌ بَعدَ أَمْرِ اللهِ أحرَزَها ... وأنتَ في معزلٍ عن ذاكَ مقتَصِرُ
ويقال: لما غلظ أمر الكرمانيّ والحارث أرسل نَصْر إلى الكرمانيّ، فأتاه على عهد، وحضرهم محمد بن ثابت القاضي ومقدام بن نعيم أخو عبد الرحمن بن