قُوّاده، فكنت في أصحابه، فجعلها نوائب بيننا، فكان إذا خرج رجل من الحظيرة فتّشه، فخرج أصحابي يومًا من الحظيرة وتخلفت، فقال لهم الأمير: ما فعل أبو حفص؟ فقِالوا: هو في الحظيرة، قال: فجاء فاطلع من الباب، وفطِنت له فنزعت خُفَّيّ وهو ينظر، فنفضتهما وهو ينظر، ونفضت سراويلي وكُمّي، ثم لبست خفي وهو ينظر، ثم قام فقعد في مجلسه وخرجت، فقال لي: ما حبسك؟ قلت: خير، فخلّاني، فقال: قد رأيتُ ما صنعتَ فلِمَ صنعتَ هذا؟ قلت: إن في الحظيرة لؤلؤًا منثورًا ودراهم منثورة؛ ونحن نتقلب عليها، فخفت أن يكون قد دخل في خُفيّ منها شيء، فنزعت خُفيّ وجوربيّ؛ فأعجبه ذلك وقال: انطلق، فكنت أدخل الحظيرة مع من يحفظ فآخذ من الدراهم ومن تلك الثياب الناعمة فأجعل بعضها في خفيّ وأشدّ بعضها على بطني، ويخرج أصحابي فيفتَّشُون ولا أفتَّش، حتى جمعت مالًا، قال: وأما اللؤلؤ فإنّي لم أكن أمسّه. [٧/ ٤٨١ - ٤٨٢].
* * *
وقال غير من ذكرت خبره: لما ظفِر أبو مسلم بعسكر عبد الله بن عليّ بعث المنصور يقطين بن موسى، وأمره أن يحصيَ ما في العسكر، وكان أبو مسلم يسميه "يك دين". فقال أبو مسلم: يا يقطين، أمين على الدماء خائن في الأموال! وشتم أبا جعفر، فأبلغه يقطين ذلك.
وأقبل أبو مسلم من الجزيرة مجمِعًا على الخلاف؛ وخرج من وجهه معارضًا يريد خراسان؛ وخرج أبو جعفر من الأنبار إلى المدائن؛ وكتب إلى أبي مسلم في المصير إليه، فكتب أبو مسلم، وقد نزل الزّاب وهو على الرّواح إلى طريق حُلوان: إنه لم يبق لأمير المؤمنين أكرمه الله عدوّ إلا أمكنه الله منه؛ وقد كنّا نروِي عن ملوك آل ساسان: أنّ أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء؛ فنحن نافرون من قربك، حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيتَ، حريُّون بالسمع والطاعة؛ غير أنها من بعيد حيث تقارنها السلامة، فإن أرضاك ذاك فأنا كأحسن عبيدك؛ فإن أبيتَ إلا أن تعطىَ نفسك إرادتَها نقضتُ ما أبرْمت من عهدك، ضنًّا بنفسي، فلما وصل الكتاب إلى المنصور كتب إلى أبي مسلم: قد فهمتُ كتابك؛ وليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغَشَشة ملوكهم، الذين يتمنوْن اضطراب