للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَبْل الدولة لكثرة جرائمهم؛ فإنما راحتُهم في انتشار نظام الجماعة؛ فلمَ سوَّيْت نفسك بهم، وأنت في طاعتك ومناصحتك واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر على ما أنت به! وليس مع الشريطة التي أوجبتَ منك سمع ولا طاعة، وحمّل إليك أمير المؤمنين عيسى بن موسى رسالة لتسكُنَ إليها إلى أن أصغَيْت إليها، وأسأل الله أن يحول بين الشيطان ونزغاته وبينك؛ فإنه لم يجد بابًا يفسد به نيتك أوكدَ عنده، وأقرب من طِبّه من الباب الذي فتحه عليك، ووجه إليه جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجليّ؛ وكان واحد أهل زمانه، فخدعه وردّه، وكان أبو مسلم يقول: والله لأقتلَنّ بالروم، وكان المنجمون يقولون ذلك؛ فأقبل والمنصور في الرومية في مضارب، وتلقاه الناس وأنزله وأكرمه أيامًا. [٧/ ٤٨٣ - ٤٨٢].

قال عليّ عن أبي حفص الأزدي، قال: كنت مع أبي مسلم، فقدِم عليه أبو إسحاق من عند أبي جعفر بكتب من بني هاشم، وقال: رأيتُ القوم على غير ما ترى، كلّ القوم يرون لك ما يرون للخليفة، ويعرفون ما أبلاهم الله بك.

فسار إلى المدائن، وخلف أبا نصر في ثَقَله، وقال: أقم حتى يأتيك كتابي، قال: فاجعل بيني وبينك آية أعرف بها كتابك، قال: إن أتاك كتابي مختومًا بنصف خاتم فأنا كتبتُه، وإن أتاك بالخاتم كلِّه؛ فلم أكتبه ولم أختمه، فلما دنا من المدائن تلقاه رجل من قوّاده، فسلّم عليه، فقال له: أطعْني وارجع، فإنه إن عاينك قتلَك، قال: قد قربتُ من القوم فأكره أن أرجع، فقدم المدائن في ثلاثة آلاف، وخلّف الناس بحُلْوان، فدخل على أبي جعفر، فأمره بالانصراف في يومه، وأصبح يريده، فتلقاه أبو الخصيب فقال: أمير المؤمنين مشغولٌ، فاصبر ساعة حتى تدخل خاليًا، فأتى منزلَ عيسى بن موسى - وكان يحبّ عيسى - فدعا له بالغداء، وقال أمير المؤمنين للربيع - وهو يومئذ وصيف يخدم أبا الخصيب: انطلِق إلى أبي مسلم؛ ولا يعلم أحدٌ، فقل له: قال لك مرزوق: إن أردتَ أمير المؤمنين خاليًا فالعجل، فقام فركب، وقال له عيسى: لا تعجَل بالدّخول حتى أدخل معك، فأبطأ عيسى بالوضوء، ومضى أبو مسلم فدخل فقتل قبل أن يجيءَ عيسى، وجاء عيسى وهو مدرج في عبَاءة، فقال: أين أبو مسلم؟ قال: مُدْرجٌ في

<<  <  ج: ص:  >  >>