وقيل: إن عيسى بن موسى دخل بعد ما قُتِل أبو مسلم، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أين أبو مسلم؟ فقال: قد كان هاهنا آنفًا، فقال عيسى: يا أمير المؤمنين، قد عرفتَ طاعته ونصيحَته ورأيَ الإمام إبراهيم كان فيه؛ فقال: يا أنوَك؛ والله ما أعلم في الأرض عدوًّا أعدى لك منه؛ ها هو ذاك في البِساط، فقال عيسى: إنا لله وإنا إليه راجعون! وكان لعيسى رأي في أبي مسلم، فقال له المنصور: خلع الله قلبك؛ وهل كان لكم مُلْك أو سلطان أو أمر أو نهي مع أبي مسلم!
قال: ثم دعا أبو جعفر جعفر بن حنظلة، فدخل عليه، فقال: ما تقول في أبي مسلم؟ فقال. يا أمير المؤمنين، إن كنت أخذتَ شعرة من رأسه فاقتلْ تم اقتلْ ثم اقتلْ؛ فقال المنصور: وفّقك الله! ثم أمره بالقيام والنظر إلى أبي مسلم مقتولًا، فقال: يا أميرَ المؤمنين، عُدّ من هذا اليوم لخلافتك.
ثم استؤذن لإسماعيل بن عليّ، فدخل، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي رأيتُ في ليلتي هذه كأنك ذبحتَ كبشًا وأني توطّأته برجلي، فقال: نامت عينُك يا أبا الحسن، قم فصدّق رؤياك؛ قد قتل الله الفاسق، فقام إسماعيل إلى الموضع الذي فيه أبو مسلم، فتوطّأه.
ثم إنّ المنصور همّ بقتل أبي إسحاق صاحب حَرَس أبي مسلم وقتل أبي نصر مالك - وكان على شُرط أبي مسلم - فكلّمه أبو الجهم، فقال: يا أمير المؤمنين، جنده جندك، أمرتهم بطاعته فأطاعوه، ودعا المنصور بأبي إسحاق، فلما دخل عليه ولم ير أبا مسلم، قال له أبو جعفر: أنت المتابع لعدوّ الله أبي مسلم على ما كان أجمع؛ فكفّ وجعل يلتفت يمينًا وشمالًا تخوّفًا من أبي مسلم، فقال له المنصور: تكلم بما أردت، فقد قتل الله الفاسق؛ وأمر بإخراجه إليه مقطّعًا، فلما رآه أبو إسحاق خرّ ساجدًا، فأطال السجود، فقال له المنصور: ارفع رأسك وتكلم؛ فرفع رأسه وهو يقول: الحمدُ لله الذي آمنني بك اليوم؛ والله ما أمنتُه يومًا واحدًا منذ صحبتُه، وما جئتهُ يومًا قطّ إلا وقد أوصيتُ وتكفَّنتُ وتحنّطتُ؛ ثم رفع ثيابه الظاهرة فإذا تحتها ثِيابُ كَتَّان جُدَد، وقد تحنّط، فلما رأى أبو جعفر حاله رحمه، ثم قال: استقبل طاعةَ خليفتك، واحمد الله الذي أراحك من الفاسق، ثم قال له أبو جعفر: فرِّق عني هذه الجماعة، ثم دعا بمالك بن الهيثم فحدّثه بمثل ذلك، فاعتذر إليه بأنه أسره بطاعته؛ وإنما خدمه وخفّ له الناسُ