للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر عن جعفر بن عبد الله، قال: حدّثني الفضل بن الربيع وقال: حدثني أبي، قال: سمعت المنصور يقول: أخطأت ثلاث خطيّات وقاني الله شرّها: قتلتُ أبا مسلم وأنا في خرق ومَنْ حولي يقدّم طاعته ويُؤثرها ولو هُتِكت الخرق لذهبتُ ضياعًا، وخرجت يوم الراونديّة ولو أصابني سهم غَرْب لذهبتُ ضياعًا، وخرجت إلى الشأم، ولو اختلف سيفان بالعراق ذهبَت الخلافةُ ضياعًا.

وذُكر أنّ معن بن زائدة كان مختفيًا من أبي جعفر، لما كان منه من قتاله المسوّدة مع ابن هبيرة مرّة بعد مرّة؛ وكان اختفاؤه عند مرزوق أبي الخصيب، وكان على أن يطلب له الأمان، فلما خرج الراونديّة أتى الباب فقام عليه، فسأل المنصور أبا الخصيب - وكان يلي حجابة المنصور يومئذ: مَنْ بالباب؟ فقال: معن بن زائدة، فقال المنصور: رجل من العرب، شديد النفس، عالم بالحرب كريم الحسب؛ أدخِلْه، فلما دخل قال: إيه يا معن! ما الرأي؟ قال: الرأي أن تنادي في الناس، وتأمر لهم بالأموال، قال: وأين الناسُ والأموال؟

ومَنْ يقدم على أن يعرض نفسه لهؤلاء العلوج! لم تصنع شيئًا يا معن؛ الرأيُ أن أخرج فأقف؛ فإنّ الناس إذا رأوْني قاتلوا وأبلوْا وثابوا إليّ، وتراجعوا، وإن أقمتُ تخاذلوا وتهاونوا، فأخذ معن بيده وقال: يا أمير المؤمنين، إذًا والله تُقتَل الساعة، فأنشدك الله في نفسك! فأتاه أبو الخصيب فقال مثلها، فاجتذب ثوبه منهما، ثم دعا بدابته، فركب ووثب عليها من غير ركاب ثم سوّى ثيابه، وخرج ومعن آخذ بلجامد وأبو الخصيب مع ركابه فوقف.

وتوجّه إليه رجل فقال: يا معن دونك العِلْج؛ فشدّ عليه مَعن فقتله، ثم والَى بين أربعة، وثاب إليه الناس وتراجعوا؛ ولم يكن إلّا ساعة حتى أفنوْهم، وتغيّب معن بعد ذلك، فقال أبو جعفر لأبي الخصيب: ويلك! أين معن؟

قال: والله ما أدري أين هو من الأرض! فقال: أيظن أنّ أمير المؤمنين لا يغفر ذنبه بعدما كان من بلائه! أعطِه الأمان وأدخله عليّ؛ فأدخله، فأمر له بعشرة آلاف درهم، وولّاه اليمن، فقال له أبو الخصيب: قد فرّق صلته وما يقدر على شيء، قال: له لو أراد مثل ثمنك ألف مرّة لقدر عليه.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>