للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من ألطاف بلادهم، فاخرج بكسًا وألطاف وعَيْن حتى تأتيهم متنكرًا بكتاب تكتبه عن أهل هذه القرية، ثم تسير ناحيتهم؛ فإن كانوا قد نزعوا عن رأيهم فأحْبِبْ والله بهم وأقرِبْ، وإن كانوا على رأيهم علمتُ ذلك، وكنتُ على حذرٍ واحتراس منهم، فاشخص حتى تلقَى عبد الله بن حسن متقشفًا متخشعًا؛ فإن جبَهك - وهو فاعل - فاصبْر وعاوده؛ فإن عاد فاصبر حتى يأنس بك وتلين لك ناحيته، فإذا ظهر لك ما في قلبه فاعجل عليّ، قال: فشخص حتى قدم على عبد الله، فلقيه بالكتاب، فأنكره ونهره، وقال: ما أعرف هؤلاء القوم، فلم يزل ينصرف ويعود إليه حتى قبِل كتابه وألطافه، وأنس به، فسأله عُتْبة الجواب، فقال: أمَا الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد، ولكن أنت كتابي إليهم، فأقرِئهم السلام وأخبرهم أن ابنيَّ خارجان لوقت كذا وكذا، قال: فشخص عُقْبة حتى قدم على أبي جعفر، فأخبره الخبر (١).

قال أبو زيد: حدّثني أيوب بن عمر، قال: حدّثني موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، قال: ولَّى أبو جعفر الفضلَ بن صالح بن عليّ الموسم في سنة ثمان وثلاثين ومئة، فقال له: إن وقعت عيناك على محمد وإبراهيم، ابنيْ عبد الله بن حسن، فلا يفارقانك؛ وإن لم ترهما فلا تسأل عنهما، فقدِم المدينة، فتلقاء أهلُها جميعًا؛ فيهم عبد الله بن حسن وسائر بني حسن إلَّا محمدًا وإبراهيم ابنيْ عبد الله بن حسن، فسكت حتى صدر عن الحجّ، وصار إلى السيّالة، فقال لعبد الله بن حسن: سا سنع ابنيْك أن يلقياني مع أهلهما! قال: والله ما منعهما من ذلك ريبة ولا سوء؛ ولكنهما منهومالت بالصّيد واتّباعه، لا يشهدان مع أهليهما خيرًا ولا شرًا، فسكت الفضلُ عنه، وجلس على دكان قد بنى له بالسَّيَالة، فأمر عبد الله رعاته فسرّحوا عليه ظهره، فأمر أحدهم فحلَب لبَنًا على عسل في عُسّ عظيم، ثم رقى به الدكان، فأوْمأ إليه عبد الله أن اسق الفضلَ بن صالح، فقصد قصده؛ فلما دنا منه صاح به الفضل صيحةً مغضبًا: إليك يا ماص بَظْر أمّه! فأدبر الرّاعي، فوثب عبد الله - وكان من أرفق الناس - فتناول القعبَ، ثم أقبل يمشي به إلى الفضل، فلما رآه يمشي استحيا منه، فتناوله فشرب.


(١) الخبر في الأغاني ١٨: ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>